الأربعاء، 24 ديسمبر 2014


تساؤلات تبحث عن إجابات

 

بقلم: حسين أحمد سليم

 

و مع انتشار الصّحوة العلميّة و الدّعوة إلى إحياء التّراث، يجدر بالباحثين نبش الغبار عن ذلك التّراث الذي خلّفه لنا بعض الرّجال الذيننقلوا لنا كانوا يكتبون عنه، سواءً أكان المكتوب عنه سيرة الرسول أو الأحاديث المرويّة عنه أو حتّى تفسير القرآن. فكلّ الذين كتبوا التّراث إعتمدوا على روايات شفهيّة لا تختلف عن قصص الجدّات عن الغول والسّعالي...

و المفسّرون في شرح الآيات التي تحتوي على جغرافيّة المناطق التي لم يروها، شطح خيالهم فأتونا بقصص أشبه بالأساطير اليونانيّة، بينما التّفسير أوضح من الشّمس في رابعة النهار...


والمفسّرون، كرواة السّيرة النّبويّة، كانت تفصلهم مئات السّنين عن نبيّ الإسلام، فتفاسيرهم ما هي إلاّ تخمين وقصص ميثالوجيّة، لا تختلف عن كتبهم عن التّاريخ الإسلامي.  وغالبيّة المؤرّخين الإسلاميّين هم من جمهرة "الإخبارييّن" لأنّهم كانوا فقط ينقلون الأخبار دون أيّ تمحيص أوتدقيق في محتوى ما ينقلون...


فقصّة موسى والنّبي الخضر... لا وجود لها إلاّ في المخيّلة الإسلاميّة للمفسّرين الذين يقولون: (إنّ موسى قام خطيباً في بني إسرائيل، فسئل: من هو أعلم الناس؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه وقال له إنّ لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. وهو يعني نبي الله الخضر.) وعليه نجد موسى يجتهد في الوصول إلى مجمع البحرين، الذي لا يعرف المفسّرون مكانه، حتّى يلتقي هذا العبد الذي فاقه علماً. وبدل أن يجشّم موسى نفسه كلّ هذا العناء في السّفر ليتعلّم من ذلك العبد، كان بإمكانه أن يسأل الله أن يعلّمه ذلك العلم، والله لم يرد له طلباً من قبل، حتّى عندما سأله أن ينزّل لهم مائدة من السّماء، نزلت مطبوخة كأحسن ما يكون الطّبخ...

يقول القرآن: (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حُقبا) (الكهف 60). (فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما) (الكهف 61).


وكان ارتباك المفسّرين واضحاً في تعريف البحرين ومكان التقائهما. حيث قيل: (هو بحر فارس والرّوم ), بحر فارس هو ما يُعرف الآن ببحر العرب، وبحر الرّوم هو الخليج الفارسي الذي يصرّ العرب على تسميته الخليج العربي)، وقال بعضهم: هو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب، في أرض فارس من وراء أذربيجان (يقصد بحر قزوين)، فالرّكن الذي لإجتماع البحرين ممّا يلي الشّام هو مجمع البحرين. وقيل هما بحر الأردن وبحر القلزم (البحر الأحمر). وقيل مجمع البحرين عند طنجة. وقال بعض أهل العلم: هو بحر الأندلس من المحيط... فليس هناك ما يجمع بين كلّ هذه البحار. كلّ مفسّر يفسّر حسب البحار التي يعرفها...

و من تفسير الآيات في سورة الكهف أنّ موسى وفتاه أخذا سمكاً مملوحاً واجتهدا في السير لبلوغ مجمع البحرين هذا (رغم أن التّراث اليهودي يخبرنا أنّ موسى غاب عن قومه مرّة واحدة فقط عندما ذهب إلى جبل سيناء لإستلام الوصايا العشرة). ولمّا بلغا صخرة معيّنة إرتاحا بها، ونسي الغلام السّمك عند الصّخرة، وفي اليوم التّالي طلب منه موسى أن يأتيه بالسّمك للغداء، وهنا يخبرنا القرآن أنّ الفتى قال ( أرأيت إذ آوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان) (الكهف 63)...

فأين يا تُرى مجمع البحرين الذي بالقرب منه صخرة إرتاح بظلّها موسى وفتاه؟ موسى هذا كان قد خرج لتوّه من مصر مع بني إسرائيل، فكان في صحراء سيناء. المنطق والجغرافيا يخبرانا أنّ مجمع البحرين هو مكان التقاء خليج العقبة مع خليج السّويس. وكان موسى (حسب الميثولوجيا التّوراتيّة والإسلاميّة) قد هرب من مصر بعد أن قتل الرّجل المصري، وذهب إلى مِدْيَنَ (في الأردن)، فلا بدّ أنّه مرّ بين خليج العقبة وخليج السّويس. وفي المرّة الثاّنية عندما خرج مع بني أسرائيل، ضرب البحر ( خليج السّويس) بعصاه فإنفلق البحر لهم ودخلوا صحراء سيناء ووصل موسى إلى طورها (ولا ندري لماذا لم يسلك الطّريق الذي سلكه أوّلاً حول خليج السّويس...

ويزيدنا القرآن توضيحاً عندما يقول (مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لا يبغيان) (الرحمن 19-20). فالبحران الذان يلتقيان وبينهما برزخ لا بد أن يكونا خليج العقبة وخليج السّويس وبينهما رمال سيناء. و على ذمّة البعض (إنّهما بحر السّماء وبحر الأرض. وقال أحدهم: في كل عام يلتقي طرفاهما. وقال آخر: هما بحر فارس والرّوم. وقال أحدهم:  إنّه البحر المالح والأنهار العذبة...

 

منطقة "شرم الشيخ" حالياً، بالقرب منها دير للرهبان المسيحيين اسمه دير سانت كاثرين, وهذا الدّير هو أقدم دير في العالم لم تنقطع العبادة به منذ إنشائه، وتحيط بهذا الدّير تلال وصخور وبه مكتبة تحتوي على مخطوطات نادرة جداً. وتقول إحدى المخطوطات المحفوظة في مكتبة الدّير, أنّ الدّير يقع على سفح جبل سيناء، وهذه المخطوطة مع جغرافيّة المكان تثبّت أنّ مجمع البحرين هو مكان التقاء خليج العقبة مع خليج السّويس. و هو بالتّالي مكان لقاء موسى بالخضر (ع)...

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق