الأربعاء، 11 فبراير 2015


إلتزام و مسار


بقلم: حسين أحمد سليم

عصرنة مُزيّفةً يتكالبون على سرقة لقبٍ ما يدفع بهم زيفًا إلى دركاتٍ يخالونها درجاتٍ, ينعتونني بالتّشدُّدِ الأقوى في الإيمانِ باللهِ, جموحاً في نفوسهم الأمّارةُ بالسّوءاتِ, و يصفونني بالتّعصّبِ الأكبرِ في قناعاتي بالعقائد, مُجاراةً لما تُوسوسُ لهمُ أنفسهم بالأوهامِ... و يُنادونَ بي في كُلِّ ناحيةٍ, يحشرونني بقمقمِ الطّوائفيّةِ و المذاهبِ و العصبيّاتِ و الأحزابِ, تدليلاً على غبائهم و حقارتهم و نزالتهم و لؤمهم و جهلهمِ, بما يتعامونَ بهِ عنِ النّورِ في بصائرهم و عقولهم... و يُصنّفونني في مراتبَ متناقضةً مُتنافرةً, بين إرتقاءِ الدّرجاتِ و هبوطِ الدّركاتِ, بما يتوافقُ و مزاجيّاتهم الشّيطانيّةِ المُتقلّبةِ الأهواءِ, و يُلقّبونني بكثيرٍ من الألقابِ المُتعصرنةِ القاهرةِ, و بما يتراءى لهم في كوابيس الأحلامِِ... و يُصدرونَ أحكامهم الظّالمةِ على كينونتي, بهتاناً و زوراً و كذباً, و نفاقاً و دجلاً و تدليساً, إرضاءاً لنزواتهم و عربداتهم و شيطانيّاتهم و كفرهم, و يُوشونَ الكذبَ الذي يسمَهم به كاذبونَ, و ينشرونَ تزييفَ الحقائقِ على من هم على شاكلتهم... و يبذلونَ قُصارى ما بوسعهم, لإغراءِ ضعافِ العقولِ و الإيمانِ, بما تُسوّلُ لهم أنفسهم الموبوءةُ بكلِّ الأمراضِ و العللِ, و يُشيعونَ الفاحشةَ بفحشهم و عهرهم بينَ النّاسِ, إفتراءاً و عدواناً و حسداً و غيرةً و حِقداً دفيناً, و يقذفون حُصني بوابلٍ من انزلاقاتِ ألسنتهم... و يقترفونَ الرّذائلَ سرّاً و علانيةً, و يُمارسونَ الغدرَ المُتأصِّلَ في قلوبهم, و يُغالونَ بعيداً بما انحرفوا في متاهاتهِ, و لا يرتدعونَ عن أجرامهم, و لا يرعوونَ عن محارمِ اللهِ... و العجبُ كُلُّ العجبِ و الإستغرابِ, يتبجّحونَ و يُجاهرونَ بالإيمانِ, و يُبطنونَ الكُفرَ و الإجرامَ و العُدوانِ... أولئكَ هم المجرمونَ الكافرونَ المُستكبرونَ الفاسقونَ, بما كسبت أيديهم و شعرت بهِ قلوبهم و تناهى لضمائرهم و عقولهم بغيرِ الحقِّ...


إذا كانَ الإيمانُ الحقُّ بالله تعالى, يُسمّونهُ تشدُّداً في هذا العصرِ القاهرِ العاهرِ السّاقطِ... فأنا قد آمنتُ بالله قبل ولادةَ جسدي الرّميمِ من أبويَّ في هذهِ الفانيةِ, يومَ قالَ اللهُ للأشياءَ كوني فكانت أرواحاً مُهلِّلةً للهِ في عالمِ الذّرِّ... و ازددتُ إيماناً باللهِ لمّا ولدتني أمّي في عالمِ التّرابِ و الفناءِ, و تشدّدتُ في إيماني إلى أبعدِ الحدودِ, بما أنعمَ اللهُ عليَّ من الرّحمةِ و المودّةِ, و التّعقّلِ و الوعيِ و الثّقافةِ و العرفانِ, و غدوتُ هائماً في ملكوتِ الحقِّ بما تشاففت بهِ روحي, لا تُلهيني سفائفُ الأمورِ عن الإيمانِ, و لا مغرياتُ الدّنيا عن عبادةِ اللهِ بالحقِّ...


و إذا كان إيماني باللهِ تعالى شفَّ و تكاملَ, مرضاةً للهِ, فالفضلُ يعودُ لما أتت به كتبُ السّماءِ, توراةُ موسى و إنجيلُ عيسى مُصدّقانِ بقرآنِ محمّدٍ, وحياً من لدنِ اللهِ على قلوبِ الرّسلِ و الأنبياءِ, مُؤتمناً بملائكةٍ مُنزّهةٍ من ملائكةِ الوحيِ في السّماءِ... و إذا ما فاخرتُ بإيماني, و اعتززتُ بديني, و اعتنقتُ بالحقِّ عقيدتي, و ألتزمتُ طائفتي, و أخلصتُ لمذهبي, و تخلّقتُ أخلاقي من صاحبِ الخلقِ العظيمِ, فالفضلُ يعودُ للدّينِ الذي أكملهُ و ارتضاهُ اللهَ لنا في مكنونِ آياتِ الكتابِ...


و إذا شاءت رحمةُ الله و مودّتهُ, أن أولدَ من أبوينِ مُؤمنينِ مُسلمينِ عربيّينِ لُبنانيّينِ قرويّينِ, في أرحابِ أمّةٍ تُصنّفُ الولاداتَ طوائفَ و مذاهبَ و أشياعَ, و تدفعُ بالنّاسِ قهراً على قهرٍ لركوبِ صهواتِ الأحزابِ و الفئاتِ و العصبيّاتِ... فأنا أفخرُ بالإسلامِ دينُ الأكوانِ, ديني و مُعتقدي بلا طوائفٍ و لا مذاهبٍ, و كُلُّ مُسلمٍ صادقٍ وفيٍّ مُخلصٍ أخي في اللهِ, رجالُ اللهِ قادتي, أنبياءٌ و رُسلٌ و خُلفاءٌ و أئمّةٌ و هُداةٌ, ركبتُ سفينةَ أهلِ بيتِ النّبوّةِ طوعاً, محبّةً و احتراماً و كرامةً و توكيداً للإيمانِ, لم و لن و لا يتناهى لوجداني المؤمنِ بالله تعالى, بخثٌ و لا تسويفٌ و لا نُكرانٌ لطائفةٍ أو لمذهبٍ أو لفئةٍ, أو جموحٌ جاهلٌ بالحقوقِ لرجالِ الله الأوائلِ, أو رفضٌ تاريخيُّ لمن جاهدَ حقّاً في سبيلِ اللهِ... و أعتزُّ بلساني ناطقاً كارزاً بلغةِ القرآنِ, عربيٌّ أصيلٌ وفيٌّ مُخلصٌ لعروبتي, و كُلُّ أبناءِ العُربِ أهلي و إخواني من حدودِ الماءِ إلى حدودِ الماءِ, إذا ما أصابَ أحدهم شوكةً تتداعى لهُ جوارحي و وجداني و عقلي و فكري و أحاسيسي و كتاباتي و فنوني, و تضطّربُ كينونتي و تقلقُ على كُلِّ مُصابٍ يأتي على أمّةَ اللهِ... لُبنانيُّ الهويّةِ من بلادِ الأرزِ المُقدّسِ, موطنُ ولادتي و نشأتي و حياتي, هنا وُلدوا أجدادي و آبائي, امتداداً لسلالةِ الأتقياءِ من نسلِ أهلِ بيتِ النّبوّةِ, عاشوا بالإيمانِ أتقياءاً يشهدُ لهم القاصي و الدّاني, و ماتوا مؤمنينَ مُسلمينِ أوفياءَ مُخلصينَ, للهِ تعالى و الإيمانِ و التّوحيدِ و العروبةِ و الإنسانيّةِ, و دُفنوا في التُرابِ الطّاهرِ المُقدّسِ إلى جوارِ مراقدِ الأولياءِ, في رِحابِ وطنِ الأرزِ الخالدِ لبنان...

أنتمي للإنسانيّةِ في هذه الحياةَ, المحدودةَ بزمنٍ مُقدّرٍ رحمةً بنا من الله... لم و لن و لا أرودُ درباً غير موصلٍ لمرضاةِ الله تعالى... لم و لن و لا أسلكً طريقاً أشكُّ باستقامتهِ و قوامتهِ و وضوحهِ... لم و لن و لا أهلّلُ لطائفةٍ أو مذهبٍ أو فئةٍ لا تتّقي اللهَ في مساراتها... لم و لن و لا أحملُ فكراً أو فلسفةً ليسَ للهِ فيها رضاً و لي فيها مصلحةً إنسانيّةً... لم و لن و لا أصفّقُ لحزبٍ أو حركةٍ أو تيّارٍ أو جماعةٍ, غيرَ أمينةٍ على الإنسانيّةِ و الإيمانِ و حُرّيةِ العيشِ و الرّأي و الفكرِ... و لم و لن و لا أمنحُ ثقتي لأحدٍ كائناً من كانَ, إلاّ إذا ثبتَ لي وفقَ رؤى الحقَ و العقلِ و الوجدانِ, مستوى إنسانيّتهُ و إيمانهُ الحقَّ... و أشُكُّ بالجميعِ من حولي, إلاَّ من رحِمَ ربّي و هم قليلونَ, حتّى يرحمني الله بالمعرفةِ, و كشفِ الأستارِ عن الحقائقِ, فتستقم كُلُّ الأمورِ... و لم و لن و لا أتّخذَ صديقاً أو صديقةً, إلاَّ بعدَ امتحاناتٍ و تجارب قاسيةٍ, لتأتي الصّداقةُ مُتعملقةً في بنيانها, ثابتةً على أوتادٍ و أسسٍ متينةً في بواطنِ العلاقاتِ الإنسانيّةِ... و لستُ مُحازباً لجهةٍ على الأخرى أو دونَ الأخرى, فأنا مُتحرِّرٌ قناعةً بوعيٍ و إدراكٍ من جميعِ الأحزاب, و إن ساءَ بي الدّهرُ ذاتَ يومٍ و انتميتُ مُكرهاً لبعضِ الأحزابِ, فإنّني قد أعتقتُ فكري و عقلي و وجداني و قلبي من هرطقاتِ الأحزابِ, و طلّقتُ جميعَ النّساءِ الغانياتِ المُعربداتِ تحتَ خيمةِ الأحزابِ... و تزوّجتُ حروفَ الأبجديّةِ التي عشقتها منذُ طفولتي, فتعاشقتِ الحروفُ و تحاببت في وجداني و عقلي و فكري و قلبي, و توالدت من رحمِ الحُبِّ و العشقِ جميعُ الكلماتِ العربيّةِ على سُنّةِ الله و رسولهِ, و حملتني رؤايَ قناعةً نهائيّةً أرودُ فراديسَ الفنونِ الأدبيّةِ و الفنونِ التّشكيليّةِ, الموشّاةَ بالخلقِ و الإبداعِ و الإبتكارِ و التّمييزِ, و أقمتُ في قلبِ الحقيقةِ صومعةَ خيمتي الشّفيفةَ, و حولي تمتدُّ في اللامتناهياتِ خيمٌ شفيفةٌ, تتماهى في صومعاتها الفنونُ خلقاً و إبداعاً... و عكفتُ في صومعتي, بعيداً عن الوساوسِ و الكوابيسِ و الأوهامِ و أضغاث الأحلام, مُتصوّفاً أعاقرُ الحروفَ و الكلماتَ حتّى أثملَ, فأرتحلُ في غيبوبةٍ التّخاطرِ في البعدِ, و أرتعشُ بالرّوحِ كارزاً بالبشاراتِ من فلسفةِ الخواطرِ, فيفترُّ يراعي بدفءِ شريانهِ الموصولِ بقلبي, و ينزفَ من دمائي الحمراءَ يخطُّ كلماتي فوقَ القرطاسِ, فتتّقدُ الأوراقُ بدمي القاني النّازفِ, و تشتعلُ القراطيسُ بلهيبِ حروفي و ثورةَ كلماتي, و يُشاركني اللظى كُلُّ الأحبابِ و العشّاقِ, فتشتعلُ مياهُ البحارِ و الأنهارِ من حرارةِ المعاناةِ, و تتفجّرُ البراكينُ حمماً لاهبةً من شواظِ الآلامِ, و تهتزُّ الأرضُ مُرتجفةً من هولِ الحقائقِ, و تميدُ رواسيَ الجبالِ للواقعِ القاهرِ العاهرِ الكافرِ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق