الجمعة، 6 يونيو 2014


نَرْجَسِيَاتْ

 

بِقَلَمْ: حُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمْ

 

حَبِيْبَتِيْ القَدَرِيَّةُ...

لَسْتُ نَيْرُوْنَ التَّارِيْخِ, كَمَا يَتَرَاءَىْ لَكِ, فَزَّاعَةَ رُعْبٍ وَخَوْفٍ فِيْ المَكَانِ وَالزَّمَانِ... وَلَسْتُ نَرْجَسِيًّا, كَمَا يَتَصَوَّرُ لَكِ, أَعْبُدُ الأَنَا غَبَاءً وَغَفْلَةً, مِنْ دُوْنِ عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ... وَلَسْتُ مُتَوَحِّشًا, كَمَا تُوَصِّفِيْنَنِيْ, إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلَكِ, حَوَّاءُ أُمِّيْ, أَتَيْتُ مِنْ طِيْنَةِ آدَمَ الإِنْسَانِ... وَلَسْتُ مُقَيَّدًا بِعِنَادِيْ, كَمَا تُكَبِّلِيْنَنِيْ, قَدْ عَتَقَنِيْ الحُبُّ وَحَرَّرَنِيْ العِشْقُ, مُنْذُ بَدْءِ الأَوَانِ... وَلَسْتُ فِيْ الحُبِّ وَالعِشْقِ أَسْتَعْبِدُكِ, كَمَا زُوْرًا وَبُهْتَانًا تَتَّهِيْمِنَنِيْ, فَحُرِّيَتُكِ فِيْ قَدَاسَةِ حُبِّيْ وَطَهَارَةَ عِشْقِيْ وَشَفَافِيَّةَ حَنِيْنِيْ... وَلَسْتُ أَتَنَكَّرُ للهِ كُفْرًا, وَأَنَا المَخْلُوْقُ الضَّعِيْفُ, كَمَا أَنْتِ, أَوْدَعَ الله فِيْ صَدْرِيْ وَصَدْرَكِ, المَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ, فَإِرْحَمِيْ نَفْسَكِ وَإِرْحَمِيْنِيْ... وَلَسْتُ مَغْرُوْرًا وَمُتَنَافِخًا فَرَاغًا, كَمَا تَظْلُمِيْنَنِيْ, فَأَنَايَ طِبْقَ أَنَاكِ, عَظَمَةَ إِبْدَاعٍ, تَجَلِّيَاتُ الخَالِقِ الأَعْظَمِ, لَوْ تَفْهَمِيْنَنِيْ... وَلَسْتُ أَنَانِيًّا, أَتَفَرَّدُ فِيْ إِمْتِلاَكِ الأَشْيَاءِ, كَمَا تُوَسْوِسُ لَكِ نَفْسُكِ الأَمَّارَةُ بِالسُّوْءِ, فَالمَالِكُ هُوَ الله, فَلاَ تَجْرَحِيْنِيْ وَلاَ تُؤْلِمِيْنِيْ... وَلَسْتُ فِيْ الحُبِّ وَالعِشْقِ لاَهٍ, فَالحُبُّ وَالعِشْقُ أَمَانَةُ اللهِ فِيْ القُلُوْبِ, وَوَدِيْعَةُ العُقُوْلِ المُؤْتَمَنَةُ بِالأَمِيْنِ... وَلَسْتُ مِزَاجِيًّا, أَتَقَلَّبُ بِتَقَلُّبِ الخَوَافِقِ, كَمَا تَتَبَجَّحِيْنَ, فَأَنَا الفَطِنُ, إِيْمَانًا بِاللهِ وَإِطْمِئْنَانًا, حَتَّىْ لاَ أُغْدَرُ فِيْ كُلِّ حِيْنِ... وَلَسْتُ فِصَامِيًّا, وَلاَ يَسْكُنَنِيْ الوَسْوَاسُ القَهْرِيُّ, كَمَا تَتَوَهَّمِيْنَ, فَإِتَّقِ الله فِيْ نَفْسَكِ, وَمَا لاَ طَاقَةَ لِيْ بِهِ, لاَ تُحَمِّلِيْنَنِيْ... أَحْبَبْتُكِ فِيْ اللهِ مَوَدَّةً, وَعَشِقْتُكِ فِيْ رِضَاهِ رَحْمَةً, فَإِحْذَرِيْ نَفْسَكِ قَبْلَ أَنْ تَحْذَرِيْنِيْ, وَخَافِيْ الله وَلاَ تَخَافِيْنِيْ... مَا أَنَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلَكِ, مَثِيْلٌ لَكِ فِيْ الإِنْسَانِيَّةِ, مُؤْتَمَنٌ عَلَيْكِ وَصِيَّةَ الله, حُبًّا وَعِشْقًا, مَوَدَّةً وَرَحْمَةً, قَدِ إِئْتَمَنْتُكِ فِيْ اللهِ, فَفِيْ اللهِ إِئْتَمِيْنَنِيْ...

الأربعاء، 4 يونيو 2014


إِفْتِرَاضِيَاتْ

 

بِقَلَمْ: حُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمْ

 

المَاضِيْ, فِعْلُ كَانْ, قَدْ مَضَىْ, لاَ تُشْغِلِ البَالَ بِمَا قَدْ مَضَىْ, المَاضِيْ مَاضٍ وَلَّىْ وَإِنْقَضَىْ, فَعِشّْ يَوْمَكَ قَنَاعَةً وَرِضَىْ... وَعَنْ أَمْسِكَ كُنْ مُعْرِضَا, فَالأَمْسُ ذِكْرَىْ الصَّدَىْ, وَالحَاضِرُ يَمْضِيْ سُدَىْ, كَمَا الأَمْسُ قَدْ مَضَىْ... وَالآتِيْ كَمَا ذَاتِ الفَضَا, الحَالُ مُضَارِعٌ وَمَعْرَضَا, هَكَذَا الحَقُّ قَدْ قَضَىْ... رَوْمُ الغَدِ فِعْلُ النَّدَىْ, عَلَىْ أَكْمَامِ الوَرْدِ بَدَا, وَعُصْفُوْرٌ غَنَّىْ وَشَدَا, عَلَىْ الأَفْنَانِ قَدْ غَرَّدَ... أَمَلٌ إِفْتِرَاضُ المُرْتَضَىْ, كَالذِّكْرَىْ قَبْلَ الرَّدَىْ, مَا إِلاَّ رَجْعُ الصَّدَىْ, وَالمُرْتَجَىْ فِيْ الفَضَا... نَعْدُوْا وَالأَمَلُ قَدْ عَدَا, نَهِيْمُ حُبًّا فِيْ المَدَىْ, نَعِيْشُ عِشْقًا مُفْتَرَضَا, نُحَاكِيْ النَّفْسَ مَوْعِدَا... قَسَمًا غَلِيْظًا وَتَعَهُّدَا, وَالدَّهْرُ يَتَرَبَّصُنَا العِدَا... سُبْحَانَ اللهِ السَّرْمَدَا, مَنْ شَاءَ لَنَا وَقَضَىْ...

الاثنين، 2 يونيو 2014


رُؤَوِيَاتْ

 

بِقَلَمْ: حُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمِ

 

الحَيَاةُ قَدَرٌ وَمَشِيْئَةُ الحَيَاةِ مَا شَاءَ القَدَرْ

وَالعَيْشُ قَدَرٌ وَإِنِ المَرْءُ فِيْ العَيْشِ تَعَثَّرْ

أُنْظُرْ يَا هَذَا فِيْ خَلْقِ اللهِ إِيْمَانًا وَتَبَصَّرْ

وَفِيْ بَدَائِعِ صُنْعِهِ تَفَكَّرْ ثُمَّ قَرِّرْ وَتَخَيَّرْ

تَتَجَلَّىْ لَكَ حَرَكَةَ فِعْلِ بَصِيْرَةٍ قَبْلَ البَصَرْ

إِنْ خَذَلَنِيْ الدَّهْرُ يَوْمًا لَمْ وَلَنْ وَلاَ أَتَكَدَّرْ

وَإِنْ شَابَ مِنِّيْ الرَّأْسُ وَالشَّعْرُ تَعَصْفَرْ

وَإِبْيَضَّ مَفْرَقِيْ كَالثَّلْجِ فِيْ بَاكُوْرَةِ العُمُرِْ

لَسْتُ أَدْرِيْ كَيْفُ يَُصْبَحُ الزَّمَانُ لِيْ عَدُوًّا

وَلَسْتُ أُدْرِكُ كَيْفُ يَُصْبَحُ المَكَانُ لِيْ عَدُوًّا

وَلَسْتُ أَعِيْ كَيْفَ يَِمْتَلِيُْ صَدْرِيْ غَيْظًا

وَلَسْتُ أَعْرِفُ كَيْفَ يَطَْفَحُ قِلْبِيْ قَيْحًا

وَلَسْتُ أَسْبُرُّ كَيْفَ فَاضَ وِجْدَانِيْ قَهْرًا

عِنْدَهَا عَلَىْ حِيْنِ وَمْضَةٍ أَطْفُقُ أَكْتُبُ نَثْرًا

وَجَرْأَةً أَبُوْحُ لِقَلَمِيْ يَنْهَلُ مَدَادًا وَيَقْرُضُ شِعْرًا

الأحد، 1 يونيو 2014


لُغَةُ الدُّمُوْعْ

 

بِقَلَمْ: حُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمِ

 

يَتَأَثَّرُ المَرْءُ فِيْ حَيَاتِهِ بِحَالَةٍ عَاطِفِيَّةٍ مَا, فَتَنْهَمِرُ دُمُوْعَهُ, وَتَتَسَاقَطُ جَارِيَةً عَلَىْ خَدَّيْهِ, مُوَاكَبَةً لِلْحَالَةِ الَّتِيْ يَعِيْشُهَا...

يَنْفَعِلُ الإِنْسَانُ لِمَوْقِفٍ مُؤَثِّرٍ مَا, فَيَزْرِفُ الدَّمْعَ مِنْ مُقْلَتَيْهِ, تَعْبِيْرًا عَمَّا يَجِيْشُ فِيْ كَوَامِنِهِ مِنْ مَشَاعِرَ وَأَحَاسِيْسَ...

وَدُمُوْعُ العَيْنِ لَيْسَتْ وَقْفًا عَلَىْ حَالاَتِ المَآسِيْ وَالأَحْزَانِ, أَوْ عَلَىْ حَالاَتِ الأَفْرَاحِ وَالسُّرُوْرِ, أَوْ عَلَىْ لَوْعَةِ المُحِبِّيْنَ وَأَشْجَانِ العَاشِقِيْنَ...

وَالدُّمُوْعُ لاَ تَقْتَصِرُ عَلَىْ الأَحْوَالِ العَاطِفِيَّةِ مِنْ حَيَاةِ الإِنْسَانِ, أَوْ الحَالاَتِ الإِنْفِعَالِيَّةِ, إِنَّمَا تَمْتَدذُ إِلَىْ غَالِبِيَّةِ الأَحْوَالِ الوِجْدَانِيَّةِ وَالإِجْتِمَاعِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ وَالأَدَبِيَّةِ وَالعِلْمِيَّةِ وَالَعَمَلِيَّةِ...

وَكَمَا لِلْعُيُوْنِ لُغَتَهَا, وَلِلْنَظَرَاتِ تَعَابِيْرِهَا, وَلِتَرَافُلِ الأَطْرَافِ البَصَرِيِّةِ رُمُوْزِهَا, فَلِلْدُّمُوْعِ لَغَتَهَا, كَسَائِرِ اللُغَاتِ فِيْ تَعْبِيْرِهَا عَنْ أَحْوَالِ الإِنْسَانِ فِيْ المُجْتَمَعِ الَّذِيْ يَعِيْشُ فِيْهِ...

لِلْدُّمُوْعِ أَسْمَاءً تَدَلُّ عَلَيْهَا, وَلِلْدُّمُوْعِ أَفْعَالاً تُشِيْرُ إِلَيْهَا, وَلَهَا بُعْدَهَا فِيْ المَكَانِ وَالزَّمَانِ, وَلَهَا إِشَارَاتَهَا وَدَلاَلاَتََِا وَبَيَانَتَهَا...

الدُّمُوْعُ لُغَةٌ مُعَبِّرَةٌ عَمَّا يَتَخَفَّىْ فِيْ أَسْرَارِ النَّفْسِ, وَهِيَ أَبْجَدِيَّةٌ نَاطِقَةٌ فِيْ تَشْكِيْلاَتِهَا, وَإِنْ كَانَتْ فِيْ عَبَرَاتِهَا صَامِتَةً, تُزْرَفُ مِنَ المُقَلِ حَارَّةً هَادِئَةً, وَتَجْرِيْ عَلَىْ الوَجَنَاتِ حَارِقَةً سَاكِنَةً...

تَسْمِيَاتُ الدُّمُوْعِ كَثِيْرَةٌ وَعَدِيْدَةٌ, فَلِلْمُحِبِّيْنَ دُمُوْعَهَمْ, وَلِلْعُشَّاقِ دُمُوْعَهُمْ, وَلِلْسُّرُوْرِ دُمُوْعًا, وَلِلأَفْرَاحِ دُمُوْعًا, وَلِلأَحْزَانِ دُمُوْعًا, وَلِلأَتْرَاحِ دُمُوْعًا, وِلِلْخَوْفِ دُمُوْعًا, وَلِلْرَّهْبَةِ دُمُوْعًا, وَلِلْفَشَلِ دُمُوْعًا, وَلِلْخَيْبَةِ دُمُوْعًا, وَلِلْعَطْفِ دُمُوْعًا, وَلِلْشَّفَقَةِ دُمُوْعًا, وَلِلْبُشْرَىْ دُمُوْعًا, وَلِلْرَّجَاءِ دُمُوْعًا, وَلِلْيَأْسِ دُمُوْعًا, وَلِلْشَّقَاءِ دُمُوْعًا, وِلِلإِخْلاَصِ دُمُوْعًا, وَلِلإِعْتِرَافِ بِالجَمِيْلِ دُمُوْعًا, وَلِلْمُرَائِيْنَ دُمُوْعًا, وَلِلْمُنَافِقِيْنَ دُمُوْعًا, وَلِلأَبْرِيَاءِ دُمُوْعًا, وَلِلْمَظْلُوْمِيْنِ دُمُوْعًا, وَلِلْصِّدْقِ دُمُوْعًا, وَلِلْكِذْبِ دُمُوْعًا, وَلِلْذُّنُوْبِ دُمُوْعًا وَلِلإِسْتِغْفَارِ دُمُوْعًا, وَلِلإِيْمَانِ دُمُوْعًا, وَلِلْخُشُوْعِ دُمُوْعًا, وَلِلْصَّلَوَاتِ دُمُوْعًا, وَلِلْدُّعَاءِ دُمُوْعًا, وَلِزِيَارَاتِ الأَمَاكِنِ المُقَدَّسَةِ دُمُوْعًا, وَلِلْذِّكْرَيَاتِ دُمُوْعًا, وَلِلْوَفَاءِ دُمُوْعًا, وَلِلْبُعْدِ دُمُوْعًا, وَلِلْجَفَاءِ دُمُوْعًا, وَلِلْوِدَاعِ دُمُوْعًا, وَلِلإِسْتِقْبَالِ دُمُوْعًا, وَلِقُدُوْمِ الغَائِبِ دُمُوْعًا, وَلِتَحَمُّلِ المَسْؤُوْلِيَّةِ دُمُوْعًا, وَلِحَمْدِ اللهِ دُمُوْعًا, وَلِشُكْرِ اللهِ عَلَىْ نِعَمِهِ دُمُوْعًا, وَلِلْمَجْدِ العَظِيْمِ دُمُوْعًا, وَلِلإِكْتِشَافَاتِ الخَطِيْرَةِ دُمُوْعًا, وَلِلأَنْبَاءِ الهَامَّةِ دُمُوْعًا, وَلِلأَعْرَافِ دُمُوْعًا, وَلِلْقَوْمِيَّةِ دُمُوْعًا...  

وَالدُّمُوْعُ تَخْفِيْفٌ مِنَ الإِتْفِعَالاَتِ الشَّدِيْدَةِ الَّتِيْ تَطْرَأُ عَلَىْ الإِنْسَانِ, وَتَسْتَوْلِيْ عَلَىْ الشُّعُوْرِ وَالوِجْدَانِ... وَهِيَ تَعْبِيْرٌ صَامِتٌ عَلَىْ حَالِ هَذَا الإِنْسَانِ فِيْ مَوْقِفٍ مَا...

وَأَصْدَقُ الدُّمُوْعِِ, تِلْكَ الدُّمُوْعُ الَّتِيْ يَذْرِفُهَا الأَهْلُ حَنَانًا عَلَىْ أَوْلاَدِهِمْ, أَوْ إِشْفَاقًا عَلَيْهِمْ, أَوْ أَسًىْ لِمَرَضٍ, أَوْ لِحَادِثٍ مُؤْلِمٍ وَقَعَ لَهُمْ... وَهَكَذَا دُمُوْعُ الزَّوْجَةِ الصَّالِحَةِ, وَدُمُوْعُ الأَوْلاَدِ البَارِّيْنَ بِآبَائِهِمْ... وَكَذَلِكَ دُمُوْعِ الأَصْدِقَاءِ المُخْلَصِيْنَ الأَوْفِيَاءِ... وَجَمِيْعُهَا صَادِرَةً عَنْ نُفُوْسٍ بَرِيِئَةٍ, يَدْفَهُهَا الإِخْلاَصُ وَالوَفَاءُ, خَالِصَةً, بِلاَ نِفَاقٍ وَلاَ دَجَلٍ وَلاَ كَذِبٍ وَلاَ رِيَاءٍ...

وَهُنَاكَ الدُّمُوْعُ الكَاذِبَةُ, المُسَمَّاةُ بِدُمُوْعِ التَّمَاسِيْحِ, وَالَّتِيْ تَنُمُّ عَنِ المرَاءَاتِ وَالدَّهَاءِ وَالكَيْدِ وَاللُؤْمِ وَالمَكْرِ وَالنِّفَاقِ... دُمُوْعُ الَّذِيْنَ يَذْرِفُوْنَهَا بِلاَ شَفَقَةٍ وَلاَ حَنَانًا وَلاَ رَحْمَةً, أَوْ أَسًىْ, أَوْ حُزْنًا عَلَىْ شَيْءٍ... وَلَكِنَّهَا دُمُوْعَ رِيَاءٍ وَمُدَاجَاةٍ, وَإِخْفَاءٍ لِحِقْدٍ دَفِيْنٍ, أَوْ تَظَاهُرٍ بِغَيْرِ مَا يُضْمِرُوْنَ مِنْ عَدَاوَةٍ وَشَمَاتَةٍ وَإِنْتِقَامٍ...

وَلِبَعْضِ النِّسَاءِ دُمُوْعِهِنَّ, أُوْلَئِكَ النِّسَاءُ اللَوَاتِيْ, يَذْرِفَهُنَّ دُمُوْعَهُنَّ كِذْبًا, لأَغْرَاضٍ شَتَّىْ, وَغَايَاتَ مُعَيَّنَةً, وَأَعْمَالَ خَطِيْرَةً, وَخُصُمَاتَ بَيْنَ الأَفْرَادِ وَالجَمَعَاتِ, وَجَرَائِمَ تَشْفِيْ حِقْدَهُنَّ عَلَىْ أَعْدَائِهِنَّ...  

وَلِبَعْضِ الشُّعُوْبِ عَادَتَهُنَّ فِيْ ذَرْفِ الدُّمُوْعِ العُرْفِيَّةِ القَوْمِيَّةِ, كَنَوْعٍ مِنَ التَّأْهِيْلِ وَالتَّرْحِيْبِ بَعْدَ طُوْلِ فِرَاقٍ...

وَالبَعْضُ الآخَرَ مِنَ الشُّعُوْبِ, يَعْتَبِرُوْنَ الدُّمُوْعَ عَيْبًا, وَعَارًا, وَدَلِيْلاً عَلَىْ الضُّعْفِ وَالجُبْنِ... فَإِذَا تَأَلَّمُوْا لاَ تَدْمَعْ أَعْيُنَهُمْ, وَإِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيْبَةٌ, إِعْتَصَمُوْا بِالصَّبْرِ وَرَبَاطَةِ الجَأْشِ, فَلاَ تَنْهَمِرْ مِنْ عُيُوْنِهِمْ دَمْعَةً وَاحِدَةً, مَهْمَا كَانَتْ فَدَاحَةُ الخَطْبِ, وَعَظَمَةُ المُصِيْبَةِ...

  

 

كِتَابَاتِيْ مَسَارَاتِيْ

 

بِقَلَمْ: حُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمْ

 

المُتَتَبِّعُ لِلْمَنْشُوْرِ وَالمُعْلَنِ مِنْ فُنُوْنِ كِتَابَاتِيْ وَنُصُوْصِيْ, وَجَرْأَةَ بَوْحِيْ فِيْ خَوَاطِرِيْ وَقِصَارَ كَلِمَاتِيْ وَأَقْوَالِيْ, وَرَسَائِلِيْ وَمَقَالاَتِيْ الأَدَبِيَّةِ, نَثْرًا وَشِعْرًا, قِرَاءَةً وَتَعَمُّقًا وَسَبْرًا لِخَفَايَاهَا, وَتَشْرِيْحًا وَتَحْلِيْلاً, وَاضِعًا لَهَا عَلَىْ مَائِدَةِ التَّقْيِيْمِ الصَّحِيْحِ, وَالنَّقْدِ المُجَرَّدِ مِنَ الغَايَاتِ, تَتَجَمَّعُ لَهُ مِنْ خِلاَلِ سُطُوْرِهَا وَمَقَاطِعِهَا, الغَرَابَةُ فِيْ إِسْتِخْدَامِ الأَلْفَاظِ غَيْرِ المُتَدَاوِلَةِ, وَالعَجَبُ فِيْ نَسْجِ العِبَارَاتِ الإِجْتِهَأدِيَّةِ, وُصُوْلاً إِلَىْ الوُلُوْجِ بَعِيْدًا فِيْ إِبَاحِيَّةِ مَنْطِقِ الفِكْرِ, فَالجُمُوْحِ وَالطُّمُوْحِ إِلَىْ حَرَكَةِ فِعْلِ السُّخْرِيَةِ المُتَنَاهِيَةِ, تَجَاوُزًا إِلَىْ الجَرْأَةِ العَنِيْفَةِ فِيْ البَوْحِ اللاَمُتَوَقَّعِ وُصُوْلاً إِلَىْ التَّحْقِيْرِ وَالتَّهْدِيْمِ وَالتَّحْطِيْمِ, إِبْحَارًا إِلَىْ المُبُالَغَةِ فِيْ الخَيَالِ السَّحِيْقِ...

أُنَمْنِمُ مَا يَتَنَاهَىْ لِوِجْدَانِيْ مِنَ إِمْتِدَادَاتِ الخَيَالِ, وَأُحِيْكُ خَوَاطِرِيْ فِيْ قَالِبٍ مِنَ السَّجَعٍ المُسْتَحَبِّ المُتَنَاسِقِ كَالجَوْهَرِ, وَغَالِبًا مَا أَتَجَاوَزُ إِلَىْ سَجَعٍ نَافِرٍ مُسْتَنْكَرٍ... ثُمَّ أَغُوْصُ فِيْ حِيَاكِةِ كِتَابَاتِيْ بِنَثْرٍ مُرْسَلٍ مُنْسَجِمٍ, ثُمَّ فَجْأَةً أَتَحَوَّلُ إِلَىْ نَثْرٍ مُعَقَّدٍ يَنْبُوْ عَنْهُ الطَّبْعُ... وَأَغُوْصُ فِيْ مَتَاهَاتٍ مِنْ إِسْتِخْدَامِ أَلْفَاظٍ وَكَلِمَاتٍ وَعِبَارَاتٍ غَرِيْبَةٍ عَجِيْبَةٍ, يَكَادُ لاَ يَفْهَمُهَا الأَعْرَابُ وَلاَ يُدْرِكَهَا الأَعَاجِمُ... وحَتَّىْ وََلَوْ تَمَّتْ مُرَاجَعَتَهَا فِيْ بُطُوْنِ القَوَامِيْسِ وَفَهَارِسِ المَعَاجِمِ...

مُنْذُ البَدْءِ, أَرِدْتُ لِكِتَابَاتِيْ الإِغْرَابَ فِيْ القَوْلِ المُبْهَمِ, المُسْتَغْلَقِ عَلَىْ المَدَارِكِ, وَنَحَوْتُ إِلَىْ الإِعْجَازِ فِيْ العِبَارَاتِ الغَامِضَةِ, المَكْنُوْنَةِ بِالتَّرْمِيْزِ وَالتَّعْبِيْرِ, وَالَّتِيْ لَمْ تَسْتَخْدِمَهَا الأَقْلاَمُ مِنْ قَبْلِ قَلَمِيْ, وَلاَ أَدْرَكَتْهَا الأَفْهَامُ عَلَىْ مَرِّ الأَيَّامِ... وَهَذَا لَعَمْرِيْ لاَ يَغُضُّ مِنْ أَهَمِّيَّةِ مَا كَتَبْتُ وَأَكْتُبُ وَسَأَكْتُبُ, وَإِلَىْ آخَرِ المَطَافِ مِنَ الهِيَامِ فِيْ لاَمُتَنَاهِيَاتِ تَنْمِيْقِ الكِتَابَاتِ... فَالأَغْرَاضُ الَّتِيْ أُرِيْدُهَا لَطِيْفَةٌ شَفِيْفَةٌ, وَالأَهْدَافُ الَّتِيْ أَطْمَحُ لَهَا بَعِيْدَةٌ... وَأَنَا مُلْتَزِمٌ بِعَظِيْمِ الأَخْلاَقِ فِيْ صِدْقِ الوُعُوْدِ لاَ أَحْنُثُ بِهَا, وَمُلْتَزِمٌ فِيْ قَدَاسَةِ العُهُوْدِ لاَ أَنْكُثُ بِهَا, وَمُؤْمِنٌ مُطْمَئِنٌّ فِيْ طَهَارَةِ القَسَمِ لاَ تَدْنِيْسَ لَهُ... وَكِتَابَاتِيْ فِيْ مُجْمَلِهَا, هِيَ فَنٌّ أَدَبِيٌّ عَالِيْ, لاَيَقِلُّ عَنْ أَجَلِّ أَثَرٍ آخَرَ مِنَ الفُنُوْنِ الأَدَبِيَّةِ فِيْ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ...

وَمَهْمَا نَسَبُوْا لِيَ زُوْرًا وَبُهْتَانًا, وَأَلْصَقُوْا بِيْ مِنَ صِفَاتِ الكُفْرِ, وَسِمَاتِ الإِلْحَادِ, وَفِعْلَ الزَّنْدَقَةِ فِيْ كِتَابَاتِيْ, فَأَنَا مُؤْمِنٌ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ, وَرُسُلِهِ, وَأَنْبِيَائِهِ, وَكُتُبِهِ, وَأَدْيَانِهِ السَّمَاوِيَّةِ... أَسْلَمْتُ لَهُ طَوْعًا وَخَالِصًا فِيْ الأَدْيَانِ الإِبْرَاهِيْمِيَّةِ, المُوْسَوِيَّةِ وَالنُّصْرَانِيَّةِ وَالمُحَمَّدِيَّةِ... وَإِمْتَطَيْتُ إِخْتِيَارًا صَهَوَاتَ الأَنْوَارِ الفِضِّيَّةِ المُكَوْكَبَةِ بِدِيْنِ اللهِ فِيْ القُرْآنِ, وَإِتَّبَعْتُ الهُدَىْ فِيْ قَبَسَاتٍ مِنْ أَنْوَارِ أَئِمَّةَ الدَّعْوَةِ للهِ, وَآثَرْتُ الإِهْتِدَاءِ بِأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ, الَّذِيْنَ أَذْهَبَ الله عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيْرًا... وَحَمَلَنِيْ إِيْمَانِيْ بِاللهِ وَرَكِبْتُ قَنَاعَةَ إِطْمِئْنَانٍ فِيْ سَفِيْنَةِ النَّجَاةِ القَدَرِيَّةِ, أَكْتَنِزُ بِرَشَادِ أَهْلَ الرَّشَادِ مِنْ جَهَابِذَةِ القَادَةِ...

وَكُلَّ مَا تَخْتَزِنُ بِهِ كِتَابَاتِيْ, مَاضِيًا وَحَاضِرًا وَمًسْتَقْبَلاً, يَدُلُّ عَلَىْ عَظَمَةٍ فِيْ إِيْمَانِيْ, تُنَاجِيْ عَظَمَةَ الخَالِقِ الَّذِيْ أَبْدَعَ عَظَمَةً فِيْ صِنَاعَةِ الخَلْقِ... وَتُشِيْرُ كَلِمَاتِيْ إِلَىْ عَاطِفَةٍ شَفِيْفَةٍ نَبِيْلَةٍ رَقِيْقَةٍ فِيْ كَيْنُوْنَتِيْ... وَتَرْمُزُ إِلَىْ إِنْعِتَاقٍ وَزُهْدٍ فِيْ الحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ, وَأُمَارِسُ حَيَاتِيْ بِبَسَاطَةٍ فِيْ العَيْشِ, أَنْحَازُ قَنَاعَةَ إِطْمِئْنَانٍ إِيْمَانِيٍّ إِلَىْ الفَقْرِ وَالفُقَرَاءِ أَيْنَمَا وُجِدُوْا...

وَعِنْدَمَا أُكْتُبُ مَا أَكْتُبُ, لاَ أَخْتَارُ الكَلِمَاتَ, وَلاَ أَسْتَحْضِرَهَا فِيْ وِجْدَانِيْ, أَوْ أُنَقِّبُ عَنْهَا فِيْ ذَاكِرَتِيْ, أَوْ أَنْتَقِيْهَا مِنْ حَافِظَتِيْ... إِنَّمَا الكَلِمَاتُ تَخْتَارُنِيْ وَتَسْكُنَنِيْ عِنْوَةَ حُبٍّ وَعِشْقٍ, وَتَنْسَابُ لِخَاطِرِيْ مِنْ عَالَمٍ آخَرَ, مَوَدَّةً وَرَحْمَةً, كَمَا يَتَهَادَىْ الرَّذَاذُ اللَطِيْفُ عَلَىْ الأَرْضِ العَطْشَىْ...

وَأَنَا أَتَهَيَّأُ لِلْكِتَابَةِ الَّتِيْ تُرَاوِدُنِيْ أَفْكَارُهَا, عِنْدَ الفَجْرِ الصَّادِقِ وَقَبْلَ آذَانِ الفَجْرِ, أَوْ مَعْ طُلُوْعِ الشَّمْسِ وَتَشْكِيْلِ لَوْجَةِ الشَّفَقِ... أتَطَهَّرُ مُحَمْدَلاً مُسْتَغْفِرًا مُتَهَجِّدًا مُنَاجِيًا مُسْتَغِيْثًا, وَأُمَارِسُ طَهَارَةَ الفِكْرِ وَالقَوْلِ وَالعَمَلِ, فأُعَقْلِنُ قَلْبِيْ فِيْ أَشْوَاقِ تَشَاغُفِهِ, وَأُقَلْبِنُ عَقْلِيْ فِيْ مَنْطِقِ تَقَكُّرِهِ, وَأُحَرِّضُ وَعْيْيِ البَاطِنِيِّ أَكْثَرَ تَفْعِيْلاً فِيْ الوَعْيِ, وَأُحَفِّذُ عَرَفَانِيْ الذَّاتِيِّ أَكْثَرُ تَفَاعُلاً فِيْ العَرَفَانِ...

فَتَتَجَلَّىْ لِيْ فِيْ البُعْدِ الدَّجُوْجِيِّ, خَلْفَ أَوْشِحَةِ اللَوْنِ الدَّامِسِ السَّوَادِ, شَكِيْرَةَ الرُّوْحِ الشَّفِيْفَةِ الأَثِيْرِيَّةِ المُلْهِمَةِ, وَضَّاءَةً فِيْ حُزَمِ سَيَّالاَتٍ فِيْ هَالَةِ طَيْفِهَا, وَتَتَرَاءَىْ لِيْ تَجْسِيْدًا فِيْ نَجْمَةِ الفَجْرِ الفَلَكِيَّةِ, المُتَوَامِضَةِ فِيْ الأُفُقِ الشَّرْقِيِّ لِبِلاَدِيْ, دَأْبُهَا, تُبَشِّرُ بِقُدُوْمِ الشَّمْسِ الدَّافِئَةِ الخُيُوْطِ الضَّوْئِيَّةِ, تَنْفُخَ إِنْتِعَاشَ الحَيَاةِ فِيْ سَكِيْنَةِ الأَرْوَاحِ, الهَادِئَةِ فِيْ هَجْعَةِ ضَجْعَتِهَا...

أَوْ تَتَرَاءَىْ لِيْ الرُّوْحُ المُوْحِيَةُ فِيْ وَجْهَ القَمَرِ المُنِيْرِ, هِلاَلاً وَتَرْبِيْعًا وَبَدْرًا, يَتَمَاهَىْ ضَوْءًا فِيْ قَلْبِ اللَيْلِ بَيْنَ النُّجُوْمِ الرَّاقِصَةِ فِيْ قُبَّةِ الفَضَاءِ, وَهُوَ يَحْتَضِنُ نَجْمَةَ الفَجْرِ حَبِيْبَتِيْ, يَتَغَامَرَانِ فِيْ شَوْقٍ وَحَنِيْنٍ, وَيَتَعَانَقَانِ فِيْ لَهَفٍ وَهِيَامٍ وَشَغَفٍ, وَيَمْخُرَانِ المَدَىْ مَعًا عَلَىْ جَنَاحَيّْ طَائِرِ الحَيَاةِ, ذَلِكَ الفِيْنِيْقُ الأُسْطُوْرِيُّ فِيْ المَكَانِ وَالزَّمَانِ, الَّذِيْ يُوْلَدُ مِنَ قَلْبِ الحَيَاةِ يَنْتَعِشُ بَالحَيَاةِ, لِيَمُوْتَ مُحْتَرِقًا يَتَسَاقَطُ رَمَادًا مِنْ أَجْلِ الحَيَاةِ, وَيُوْلَدُ مُجَدَّدًا مِنْ قَلْبِ بَقَايَا الرَّمَادِ لأَجْلِ الحَيَاةِ لِتَنْتَعِشَ وَتَرْتَعِشَ بِهِ الحَيَاةُ...

حَبِيْبَتِيْ القَدَرِيَّةُ, الَّتِيْ جَعَلَ اللهُ بَيْنِيْ وَبَيْنَهَا المَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ, فَتَعَارَفْنَا وَتَآلَفْنَا مَعًا بِالحُبِّ وَالعِشْقِ... حَبِيْبَتِيْ الَّتِيْ أَحْبَبْتُهَا قَدَاسَةً, وَعَشِقْتُهَا طَهَارَةً, وَمِنْ ذَلِكَ الحُبُّ وَالعِشْقُ لَهَا, تَوَلَّدَ فِيْ نَفْسِيْ الأَلَمُ المُذِيْبُ الصَّاهِرُ, وَتَوَالَدَتْ مَعَهُ فِيْ مُخَيَّلَتِيْ أَفْكَارًا جَدِيْدَةً مُسْتَدَامَةَ التَّحْدِيْثِ, أَفْكَارًا فَرِيْدَةً عَبْقَرِيَّةً مُبْتَكَرَةً, وَلَوْلاَ هَذَا الحُبُّ وَالعِشْقُ لِحَبِيْبَتِيْ, وَلَوْلاَ ذَلِكَ الأَلَمُ القَدَرِيُّ, لَمَا كَتَبْتُ مَا كَتَبْتُ وَأَكْتُبُ وَسَأَكْتُبُ...

حَبِيْبَتِيْ هَذِهِ هِيَ رَفِيْقَتِيْ, وَصَدِيْقَتِيْ, وَدَلِيْلَتِيْ, وَرَائِدَتِيْ, تَخُوْضُ مَعِيْ فِيْ الرُّوْحِ وَالنَّفْسِ وَالفِكْرِ وَالأَحَاسِيْسِ, فِيْ البُعْدِ وَفِيْ القُرْبِ, كُلَّ مُعْتَرَكَاتِ الدَّرَكَاتِ فِيْ هَذِهِ الشَّمْطَاءَ الفَانِيَةِ, فَنَغْدُوَ مَعًا عُرْضَةً لِلْهُزَالِ وَالسِّقَامِ, مِمَّا يَعْتَرِضُنَا مِنَ رَهْبَةٍ وَظَلْمَاءَ فِيْ الغَابَةِ الكُبْرَىْ الغَبْيَاءْ, الَّتِيْ تَعُجُّ بِأَشْرَسِ الوُحُوْشِ البَنِيْ آدَمِيَّةِ الضَّارِيَةِ...

كُلُّ الجِرَاحَاتِ النَّازِفَةِ, وَكُلُّ الآلاَمِ المُتَعَاظِمَةِ, تَاريْخِيًّا وَجُغْرَافِيًّا, وَالَّتِيْ تَزْدَادُ عَفَنًا فِيْ الأَرْضِ, سِيَّمَا مِنَ المُحِيْطِ إِلَىْ الخَلِيْجِ, وَالَّتِيْ تَتَعَامَىْ عَنِ الخَقِّ المُغْتَصَبِ فِيْ فِلَسْطِيْنَ السَّبِيَّةِ... كُلَّهَا تَزِيْدُنِيْ تَوَسُّعًا فِيْ آفَاقِ الخَيَالِ وَعُمْقِ التَّفْكِيْرِ وَحُسْنِ التَّصْوِيْرِ وَالتَّأَثُّرِ بِالوَقَائِعِ, فَأَبْتَكِرُ وَأُبْدِعُ وَأَخْلُقُ وَأَكْتُبُ وَأَجْتَهِدُ وَأَخْتَرِعُ...

 وَأنَا أَجْتَازُ وَحَبِيْبَتِيْ رَفِيْقَةَ دَرْبِيْ وَعُمْرِيْ, وَمُلْهِمَتِيْ وَالمُوْحِيَةُ لِيْ فِيْ إِبْدَاعَاتِيْ, نَجْتَازُ دَرَكَاتَ هَذِهِ الدُّنْيَا السَّحِيْقَةِ إِلَىْ عَالَمِ المَطْهَرِ, وَنَتَرقَّىْ سُمُوًّا وَمَعًا دَرَجَاتَ العُلاَ, بَحْثًا عَنِ المَسَارِ الأَقْدَسِ فِيْ ظِلاَلِ النَّعِيْمِ الفِرْدَوْسِيِّ, فَنَرُوْدُ مَعًا الفَرَادِيْسَ الإِلَهِيَّةَ, المُوَشَّاةَ بِالوُرُوْدِ الخَالِدَةِ, المُرَصَّعَةَ بِاللِيْنُوْفَارِ المُقَدَّسِ...