لُغَةُ الدُّمُوْعْ
بِقَلَمْ: حُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمِ
يَتَأَثَّرُ المَرْءُ فِيْ حَيَاتِهِ بِحَالَةٍ
عَاطِفِيَّةٍ مَا, فَتَنْهَمِرُ دُمُوْعَهُ, وَتَتَسَاقَطُ جَارِيَةً عَلَىْ
خَدَّيْهِ, مُوَاكَبَةً لِلْحَالَةِ الَّتِيْ يَعِيْشُهَا...
يَنْفَعِلُ الإِنْسَانُ لِمَوْقِفٍ مُؤَثِّرٍ مَا,
فَيَزْرِفُ الدَّمْعَ مِنْ مُقْلَتَيْهِ, تَعْبِيْرًا عَمَّا يَجِيْشُ فِيْ
كَوَامِنِهِ مِنْ مَشَاعِرَ وَأَحَاسِيْسَ...
وَدُمُوْعُ العَيْنِ لَيْسَتْ وَقْفًا عَلَىْ حَالاَتِ
المَآسِيْ وَالأَحْزَانِ, أَوْ عَلَىْ حَالاَتِ الأَفْرَاحِ وَالسُّرُوْرِ, أَوْ
عَلَىْ لَوْعَةِ المُحِبِّيْنَ وَأَشْجَانِ العَاشِقِيْنَ...
وَالدُّمُوْعُ لاَ تَقْتَصِرُ عَلَىْ الأَحْوَالِ
العَاطِفِيَّةِ مِنْ حَيَاةِ الإِنْسَانِ, أَوْ الحَالاَتِ الإِنْفِعَالِيَّةِ,
إِنَّمَا تَمْتَدذُ إِلَىْ غَالِبِيَّةِ الأَحْوَالِ الوِجْدَانِيَّةِ
وَالإِجْتِمَاعِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ وَالأَدَبِيَّةِ وَالعِلْمِيَّةِ
وَالَعَمَلِيَّةِ...
وَكَمَا لِلْعُيُوْنِ لُغَتَهَا, وَلِلْنَظَرَاتِ
تَعَابِيْرِهَا, وَلِتَرَافُلِ الأَطْرَافِ البَصَرِيِّةِ رُمُوْزِهَا,
فَلِلْدُّمُوْعِ لَغَتَهَا, كَسَائِرِ اللُغَاتِ فِيْ تَعْبِيْرِهَا عَنْ
أَحْوَالِ الإِنْسَانِ فِيْ المُجْتَمَعِ الَّذِيْ يَعِيْشُ فِيْهِ...
لِلْدُّمُوْعِ أَسْمَاءً تَدَلُّ عَلَيْهَا,
وَلِلْدُّمُوْعِ أَفْعَالاً تُشِيْرُ إِلَيْهَا, وَلَهَا بُعْدَهَا فِيْ المَكَانِ
وَالزَّمَانِ, وَلَهَا إِشَارَاتَهَا وَدَلاَلاَتََِا وَبَيَانَتَهَا...
الدُّمُوْعُ لُغَةٌ مُعَبِّرَةٌ عَمَّا يَتَخَفَّىْ فِيْ
أَسْرَارِ النَّفْسِ, وَهِيَ أَبْجَدِيَّةٌ نَاطِقَةٌ فِيْ تَشْكِيْلاَتِهَا,
وَإِنْ كَانَتْ فِيْ عَبَرَاتِهَا صَامِتَةً, تُزْرَفُ مِنَ المُقَلِ حَارَّةً
هَادِئَةً, وَتَجْرِيْ عَلَىْ الوَجَنَاتِ حَارِقَةً سَاكِنَةً...
تَسْمِيَاتُ الدُّمُوْعِ كَثِيْرَةٌ وَعَدِيْدَةٌ,
فَلِلْمُحِبِّيْنَ دُمُوْعَهَمْ, وَلِلْعُشَّاقِ دُمُوْعَهُمْ, وَلِلْسُّرُوْرِ
دُمُوْعًا, وَلِلأَفْرَاحِ دُمُوْعًا, وَلِلأَحْزَانِ دُمُوْعًا, وَلِلأَتْرَاحِ
دُمُوْعًا, وِلِلْخَوْفِ دُمُوْعًا, وَلِلْرَّهْبَةِ دُمُوْعًا, وَلِلْفَشَلِ
دُمُوْعًا, وَلِلْخَيْبَةِ دُمُوْعًا, وَلِلْعَطْفِ دُمُوْعًا, وَلِلْشَّفَقَةِ
دُمُوْعًا, وَلِلْبُشْرَىْ دُمُوْعًا, وَلِلْرَّجَاءِ دُمُوْعًا, وَلِلْيَأْسِ دُمُوْعًا,
وَلِلْشَّقَاءِ دُمُوْعًا, وِلِلإِخْلاَصِ دُمُوْعًا, وَلِلإِعْتِرَافِ
بِالجَمِيْلِ دُمُوْعًا, وَلِلْمُرَائِيْنَ دُمُوْعًا, وَلِلْمُنَافِقِيْنَ
دُمُوْعًا, وَلِلأَبْرِيَاءِ دُمُوْعًا, وَلِلْمَظْلُوْمِيْنِ دُمُوْعًا,
وَلِلْصِّدْقِ دُمُوْعًا, وَلِلْكِذْبِ دُمُوْعًا, وَلِلْذُّنُوْبِ دُمُوْعًا
وَلِلإِسْتِغْفَارِ دُمُوْعًا, وَلِلإِيْمَانِ دُمُوْعًا, وَلِلْخُشُوْعِ
دُمُوْعًا, وَلِلْصَّلَوَاتِ دُمُوْعًا, وَلِلْدُّعَاءِ دُمُوْعًا, وَلِزِيَارَاتِ
الأَمَاكِنِ المُقَدَّسَةِ دُمُوْعًا, وَلِلْذِّكْرَيَاتِ دُمُوْعًا,
وَلِلْوَفَاءِ دُمُوْعًا, وَلِلْبُعْدِ دُمُوْعًا, وَلِلْجَفَاءِ دُمُوْعًا,
وَلِلْوِدَاعِ دُمُوْعًا, وَلِلإِسْتِقْبَالِ دُمُوْعًا, وَلِقُدُوْمِ الغَائِبِ
دُمُوْعًا, وَلِتَحَمُّلِ المَسْؤُوْلِيَّةِ دُمُوْعًا, وَلِحَمْدِ اللهِ
دُمُوْعًا, وَلِشُكْرِ اللهِ عَلَىْ نِعَمِهِ دُمُوْعًا, وَلِلْمَجْدِ العَظِيْمِ
دُمُوْعًا, وَلِلإِكْتِشَافَاتِ الخَطِيْرَةِ دُمُوْعًا, وَلِلأَنْبَاءِ
الهَامَّةِ دُمُوْعًا, وَلِلأَعْرَافِ دُمُوْعًا, وَلِلْقَوْمِيَّةِ دُمُوْعًا...
وَالدُّمُوْعُ تَخْفِيْفٌ مِنَ الإِتْفِعَالاَتِ الشَّدِيْدَةِ
الَّتِيْ تَطْرَأُ عَلَىْ الإِنْسَانِ, وَتَسْتَوْلِيْ عَلَىْ الشُّعُوْرِ
وَالوِجْدَانِ... وَهِيَ تَعْبِيْرٌ صَامِتٌ عَلَىْ حَالِ هَذَا الإِنْسَانِ فِيْ
مَوْقِفٍ مَا...
وَأَصْدَقُ الدُّمُوْعِِ, تِلْكَ الدُّمُوْعُ الَّتِيْ
يَذْرِفُهَا الأَهْلُ حَنَانًا عَلَىْ أَوْلاَدِهِمْ, أَوْ إِشْفَاقًا عَلَيْهِمْ,
أَوْ أَسًىْ لِمَرَضٍ, أَوْ لِحَادِثٍ مُؤْلِمٍ وَقَعَ لَهُمْ... وَهَكَذَا
دُمُوْعُ الزَّوْجَةِ الصَّالِحَةِ, وَدُمُوْعُ الأَوْلاَدِ البَارِّيْنَ
بِآبَائِهِمْ... وَكَذَلِكَ دُمُوْعِ الأَصْدِقَاءِ المُخْلَصِيْنَ
الأَوْفِيَاءِ... وَجَمِيْعُهَا صَادِرَةً عَنْ نُفُوْسٍ بَرِيِئَةٍ, يَدْفَهُهَا
الإِخْلاَصُ وَالوَفَاءُ, خَالِصَةً, بِلاَ نِفَاقٍ وَلاَ دَجَلٍ وَلاَ كَذِبٍ
وَلاَ رِيَاءٍ...
وَهُنَاكَ الدُّمُوْعُ الكَاذِبَةُ, المُسَمَّاةُ
بِدُمُوْعِ التَّمَاسِيْحِ, وَالَّتِيْ تَنُمُّ عَنِ المرَاءَاتِ وَالدَّهَاءِ
وَالكَيْدِ وَاللُؤْمِ وَالمَكْرِ وَالنِّفَاقِ... دُمُوْعُ الَّذِيْنَ
يَذْرِفُوْنَهَا بِلاَ شَفَقَةٍ وَلاَ حَنَانًا وَلاَ رَحْمَةً, أَوْ أَسًىْ, أَوْ
حُزْنًا عَلَىْ شَيْءٍ... وَلَكِنَّهَا دُمُوْعَ رِيَاءٍ وَمُدَاجَاةٍ,
وَإِخْفَاءٍ لِحِقْدٍ دَفِيْنٍ, أَوْ تَظَاهُرٍ بِغَيْرِ مَا يُضْمِرُوْنَ مِنْ
عَدَاوَةٍ وَشَمَاتَةٍ وَإِنْتِقَامٍ...
وَلِبَعْضِ النِّسَاءِ دُمُوْعِهِنَّ, أُوْلَئِكَ النِّسَاءُ
اللَوَاتِيْ, يَذْرِفَهُنَّ دُمُوْعَهُنَّ كِذْبًا, لأَغْرَاضٍ شَتَّىْ,
وَغَايَاتَ مُعَيَّنَةً, وَأَعْمَالَ خَطِيْرَةً, وَخُصُمَاتَ بَيْنَ الأَفْرَادِ
وَالجَمَعَاتِ, وَجَرَائِمَ تَشْفِيْ حِقْدَهُنَّ عَلَىْ أَعْدَائِهِنَّ...
وَلِبَعْضِ الشُّعُوْبِ عَادَتَهُنَّ فِيْ ذَرْفِ
الدُّمُوْعِ العُرْفِيَّةِ القَوْمِيَّةِ, كَنَوْعٍ مِنَ التَّأْهِيْلِ
وَالتَّرْحِيْبِ بَعْدَ طُوْلِ فِرَاقٍ...
وَالبَعْضُ الآخَرَ مِنَ الشُّعُوْبِ, يَعْتَبِرُوْنَ
الدُّمُوْعَ عَيْبًا, وَعَارًا, وَدَلِيْلاً عَلَىْ الضُّعْفِ وَالجُبْنِ... فَإِذَا
تَأَلَّمُوْا لاَ تَدْمَعْ أَعْيُنَهُمْ, وَإِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيْبَةٌ,
إِعْتَصَمُوْا بِالصَّبْرِ وَرَبَاطَةِ الجَأْشِ, فَلاَ تَنْهَمِرْ مِنْ
عُيُوْنِهِمْ دَمْعَةً وَاحِدَةً, مَهْمَا كَانَتْ فَدَاحَةُ الخَطْبِ, وَعَظَمَةُ
المُصِيْبَةِ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق