إجْتِهَادَاتْ
بِقَلَمْ: حُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمْ
نُفَتِّحُ أَعْيُنِنَا الَّتِيْ نَحْمِلُهَا فِيْ وَجُوْهِنَا,
تِلْكَ الَّتِيْ تَرْسُمُ سِمَاتَنَا فِيْ مِيْزَةٍ أُحَادِيَّةٍ لِكُلِّ فَرْدٍ
وَمَخْلُوْقٍ, تُشَكِّلُ كَيْنُوْنَتُهُ فِيْ لَوْحَةٍ تَكْتَنِزُ بِكُلِّ
الثَّرَاءِ الَّذِيْ لاَ ثَرَاءَ بَعْدَهُ, وَالَّتِيْ أَبْدَعَ اللهُ فِيْ عَنَاصِرِ
صُنْعِهَا, تِلْكَ عَظَمَةٌ كُبْرَىْ, تَتَجَلَّىْ فِيْهَا عَظَمَةُ الخَالِقِ,
العَزِيْزِ الجَبَّارِ, الَّذِيْ خَلَقَ فَسَوَّىْ, حِكْمَةً وَعَدَالَةً تَدَلُّ
عَلَيْهِ سُبْحَانُهُ جَلَّ وَعَلاَ...
نُبْصِرُ مَا حَوْلَنَا وَمَا يُحٍيْطُ بِنَا, وَمَا فِيْ
الطَّبِيْعَةِ مِنْ لَوْحَاتٍ وَمَشْهَدِيَاتٍ, تَتَمَاهَىْ فِيْ جَمَالِهَا
وِسِحْرِهَا, تَتَجَسَّدُ فِيْ إِمْتِدَادَاتِهَا مَعَالِمُ وَمَظَاهِرُ
وَأَشْكَالُ وَلَوْحَاتُ وَمَشْهَدِيَاتُ, كَثِيْرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ
وَمُخْتَلِفَةٌ, مُتَقَارِبَةٌ وَمُتَبَاعِدَةٌ, مُتَنَافِرَةٌ وَمُتَطَابِقَةٌ فِيْ
تَكْوِيْنَاتِ عَنَاصِرِهَا...
أَرْضٌ كُرَوِيَّةٌ عُظْمَىْ, تَدُوْرُ عَلَىْ نَفْسِهَا,
وَتَلْتَفُّ حَوْلَ شَمْسِهَا, وَحَوْلَهَا يَلْتَفُّ قَمَرَهَا, وَسَهُوْلٌ مُمْتَدَّةٌ,
مُخْضَوْضِرَةٌ بِمَا تَرْفُلُ لَهُ العَيْنُ البَاصِرَةُ, وَجِبَالٌ كَأَنَّهَا
أَوْتَادٌ كَبِيْرَةٌ فِيْ الأَرْضِ مُثَبَّتَةٌ, وَقِمَمٌ شَاهِقَةٌ
بِالعُنْفُوَانِ لِلْعُلاَ فِيْ كِبْرِيَاءِ ذَاتِهَأ, وَأَوْدِيَةٌ سَحِيْقَةٌ
يَتَرَدَّدُ فِيْهَا الصَّدَىْ, وَيَنَابِيْعٌ تَتَفَجَّرُ مِنْ قَلْبِ الصَّخْرِ
بَارِدَةً, تُنْعِشُ النَّاهِلَ مِنْ مَعِيْنِهَا, وَأَنْهَارٌ مُرْتَحِلَةٌ فِيْ
مَسَارَاتِهَا, تَتَلَوَّىْ عَلَىْ مِزَاجِيَّةِ مَجَارِيْهَا, لِتَرْفِدَ
البَحْرَ بِمَاءِ الأرْضِ, الآتِيْ إِلَيْهَا مِنْ سُحُبِ الغَمَامِاتِ فِيْ
أَرْحِبَةِ السَّمَاءِ, وَأَشْجَارٌ غَضَّةٌ
وَارِفَةٌ مُثْمِرَةٌ, وَغَابَاتٌ كُبْرَىْ تَتَزَيَّنُ بِهَا مَسَاحَاتٌ مِنَ
الأَرْضِ, وَصَحَارِيٌّ رَمْلِيَّةٌ قَاحِلَةٌ حَارِقَةٌ فِيْ الصَّيْفِ, وَبِحَارٌ
وَجُزُرٌ وَأَحْيَاءٌ وَصُخُوْرٌ وَحِجَارَةٌ وَبَشَرُ...
نَرْفَعُ أَبْصَارَنَا إِلَىْ العُلاَ, نُحَفِّذُهَا
تَرْتَحِلُ فِيْ أَعْمَاقِ السَّمَاءِ, تَتَطْوِيْ المَسَافَاتَ بِأَسْرَعِ مِنَ
البَرْقِ, تَعْدُوْا خَلْفَ سَيَّالاَتِ الضَّوْءِ فِيْ قَلْبَ سَوَادِ الظَّلاَمِ
فِيْ اللَيْلِ, وَنَنْظُرُ فِيْ البُعْدِ فَنَرَىْ مَا نَرَىْ, نَرَىْ عَظَمَةَ
اللهِ تَتَجَلَّىْ فِيْ عَظَمَةِ مَا فِيْ مَطَاوِيْ الفَضَاءَاتِ, شُمُوْسٌ لاَهِبَةٌ,
وَأَقْمَارٌ مُنِيْرَةٌ, وَنُجُوُْمٌ لاَمِعَةٌ, وَكَوْكَبَاتٌ مُتَوَامِضَةٌ, وَبُرُوْجٌ
لِلْشَمْسِ مَسَارٌ, وَأَجْرَامٌ لاَ حَصْرَ لَهَا وَلاَ عَدَّ, مُتَنَاهِيَةَ
البُعْدِ فِيْ الأَبْعَادِ اللاَمُتَنَاهِيَاتِ اللاَمَحْدُوْدَةِ...
نُحَدِّقُ بِإِتِّسَاعِ حَدَقَاتِنَا لِنَجْمَعَ عَنَاصِرَ
مَشْهَدِيَّةٍ مَا, فَنُعَقْلِنُ قُلُوْبَنَا بِرَحْمَةِ اللهِ, وَنُقَلْبِنُ
عُقُوْلَنَا بِمَوَدَّةِ اللهِ, وَنَتَفَكَّرُ بِعُمْقٍ فِيْمَا يَتَرَاءَىْ لَنَا
بَصِيْرَةً وَبَصَرًا... نَتَجَهْبَذُ فِيْ وَعْيِنَا البَاطِنِيِّ, وَنَجْتَهِدُ فِيْ
عَرَفَانِنَا الذَّاتِيِّ...
نَمْتَطِيْ صَهَوَاتَ وِجْدَانِنَا, وَيَمْضِيْ بِنَا
الخَيَالُ عَلَىْ صَهَوَاتِ أَحْصِنَتِهِ المُسْرَجَةِ, فَنُحَلِّلُ عَلَىْ قَدَرِ
عِلْمِنَا, مَا تَنَاهَىْ لِعَقْلِنَا بِوِجْدَانِنَا, وَنَتَفَلْسَفُ فِيْ رُؤَىْ
مَنْطِقِنَأ, وَنَبُوْحُ جَرْأَةً فِيْ مَوَاقِفِنَا, تَخْطُبُ أَلْسَنَتَنَا, بِمَا
تَشَكَّلَ قَدَرًا فِيْ ضَمَائِرِنَا, وَنَنْشُرُ مَا فِيْ كَوَامِنِنَا,
وَنَكْشِفُ الغِطَاءَ عَنْ أَسْرَارِنَا...
نَتَبَاهَىْ بِمَا عِنْدَنَا, وَنُشِيْعُ مَا كَتَبْنَا
وَدَوَّنَ قَلَمُنَا, فِقْهًا وَعِلْمًا وَمَعْرِفَةً وَفُنُوْنًا وَأَدَبًا
وَنَثْرًا وَشِعْرًا وَتَشْكِيْلاً... وَنَخْتَرِعُ وَنَبْتَكِرُ مَا نَرَىْ
فِيْهِ صَلاَحًا لَنَا فِيْ ظَاهِرِهِ قَبْلَ بَاطِنِهِ, وَنُشَرِّعُ مَا
يَتَلاَءَمُ وَتَفَكُّرِنَا, فَنَصُوْغُ القَوَانِيْنَ وَالأَنْظِمَةَ
وَالنَّوَامِيْسَ عَلَىْ قَدَرِنَا, وَكَثِيْرًا مَا نَتَجَاوَزُ الخُطُوْطَ
الفَاصِلَةَ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ, عِنْوَةَ تَحَدٍّ لَنَا وَلِغَيْرِنَا,
نَتَمَثَّلُ هَارُوْتَ وَمَارُوْتَ بِبَابِلَ فِيْ إِسْتِنْبَاطِ مَا يَتَرَاءَىْ
لَنَا, وَنُصَدِّقُهُ عَلَىْ ذِمَّةِ التَّنْجِيْمِ وَالتَّبْرِيْجِ, لِنَصْنَعَ
مِنَ المُحِيْطِ إِلَىْ الخَلِيْجِ, إِفْتِرَاضِيَاتِ غَدِنَا عَلَىْ
هَمْرُوْجَاتِ وَاقِعِ جُنُوْنِ حَاضِرِنَا, المَوْرُوْثِ قَدَرًا شِئْنَاهُ مِنْ
بَقَايَا وَأَطْلاَلِ سَالِفِ أَمْسِنَا, الَّذِيْ بِهِ نَتَغَنَّىْ تَنَافُخًا,
نُنْشِدُ مَغْنَاتَنَا غُرُوْرًا, كَانَ جَدِّيْ وَأَبِيْ كَانْ, وَنَنْتَسِبُ
إِلَىْ مَا لاَنَفْعَ مِنْهُ وَلاَ ضُرُّ؟!...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق