الأربعاء، 21 مايو 2014


صَوْمَعَاتْ وَحُبّْ

 

بِقَلَمْ: حُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمِ

 

لَمْ وَلَنْ وَلاَ أَعْرِفْ, وَأَنَا أَجْتَازُ مَدِيْدَ عُمْرِيْ إِلَىْ مُسَتَقَرِّيْ القَدَرِيِّ, وَلَسْتُ أُرِيْدُ أَنْ أَعْرِفَ, كُنْهَ مَا هُوَ أَبْعَدَ مِنْ إِسْتِيْعَابِ وِجْدَانِيْ, وَأَوْسَعَ مِنْ مَدَارِكِ خَيَالِيْ, وَفَوْقَ مُسْتَوَىْ طَاقَتِيْ الفِكْرِيَّةِ وَالفَلْسَفِيَّةِ؟! فَأَنْتِ مَا يَعْنِيْنِيْ فِيْ القُرْبِ وَفِيْ البُعْدِ, يَاسَاحِرَتِيْ القَدَرِيَّةْ, المُفْتَتَنُ بِكِ جُنُوْنًا عَلَىْ جُنُوْنٍ فِيْ عَصْرَنَةِ هَذَا الزَّمَنِ العَجِيْبِ الغَرِيْبِ, الَّذِيْ يَضِيْعُ المَرْءُ فِيْ مَتَاهَاتِهِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَدْرِيْ, وَيَنْزَلِقُ عَلَىْ حِيْنِ غَفْلَةٍ مِنْ أَمْرِهِ...

وَأَنْتِ يَا سَاحِرَتِيْ وَفَاتِنَتِيْ, الهَاجِعَةِ فِيْ ضَجْعَتَكِ الإِطْمِئْنَانِيَّةِ الإِيْمَانِيَّةِ عَلَىْ أَرِيْكَةٍ فِيْ رِحَابِ صَوْمَعَةٍ بِخُشُوْعٍ نَفْسِيٍّ... أَرَاكِ بِبَصِيْرَتِيْ قَبْلَ بَصَرِيْ, تَنْضَحِيْنَ جَمَالاً عَلَىْ جَمَالٍ فِيْ قَلْبِ صَوْمَعَةِ الحُبِّ وَالعِشْقِ, الَّتِيْ إِلَيْهَا هَدَانَا الله مَوَدَّةً وَرَحْمَةً, نَلْتَقِيْ فِيْ رِحَابِ هَدْأَتِهَ, نَتَنَاجَىْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً فِيْ حَنِيْنٍ مُتَشَاغِفٍ... تَكْرُزِيْنَ عَلَىْ مَسْمَعِيْ الجَلِيِّ, بِكَلِمَاتَكِ الحَانِيَةِ فِيْ بَشائِرَ مِنْ مَوْسَقَاتِ قَلْبَكِ الطَّرُوْبِ فِيْ صَدْرِكِ الدَّافِيِْ...

قَلْبُكِ العَاشِقُ قَدَرًا آخَرَ, وَالَّذِيْ أَثْقَلَتْهُ كَلاَكِلُ الأَيَّامِ بِالتَّعَبِ وَالإِرْهَاقِ, وَأَتْخَمَتَهُ الأَقْدَارُ بِالتَّجَارُبِ وَالخُرَاتِ... قَلْبُكِ هَذِا أَسْمَعَهُ فِيْ جَلاَءِ رَهَافَتِيْ, يَعْزِفُ دَنْدَنَاتُهُ فِيْ سِيْمْفُوْنِيَاتٍ عَلْىِ أَوْتَارِ شُعَيْرَاتِ الشَّرَايِيْنِ, تِلْكَ الَّتِيْ فِيْ إِمْتِدَادَاتِهَا بِكَيْنُوْنَةِ الجَسَدِ البَدِيْعِ الصُّنْعِ... فِيْ خُيُوْطِهَا الدَّقِيْقَةِ, يَرْتَحِلُ الدَّمُ فِيْ مَسَارَاتِهِ الدَّائِبَةِ, يَتَسَقْسَقُ مُتَهَادِيًا فِيْ خُشُوْعٍ, يُكَبِّرُ الله وَيَتَهَجَّدُ مُنَاجَاةً للهِ, يُدَنْدِنُ طَرُوْبًا عَلَىْ وَقْعِ عَفَقَاتِ تَشَاغُفَاتِ الأَشْوَاقِ...

لَمْ وَلَنْ وَلاَ أَتَفَكَّرْ يَاسَاحِرَتِيْ فِيْ تِلْكَ العَجَائِبِ وَالغَرَائِبِ, المُغْلَقَةْ عَلَىْ فَضَاءَاتِ تَفَكُّرِيْ, فَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يُحَفِّذُنِيْ كَيّْ أَسْبُرَ, أَبَعَادَ تِلْكَ الأَسْرَارِ الدَّفِيْنَةِ فِيْ كَوَامِنَكِ, الَّتِيْ أَوْدَعَهَا اللهُ فِيْ خَفَايَا نَسَائِجِ كَيْنُوْنَتَكِ الأُنْثَوِيَّةِ, وَالَّتِيْ تَتَمَاهَىْ عُنْفُوَانًا مُتَعَاظِمًا وَكِبْرِيَاءً مُتَزَايِدًا, بِعَظَمَةٍ رَفِيْعَةٍ مُتَعَالِيَةٍ فِيْ تَوَاضُعَكِ المُذْهِلِ, الَّذِيْ يَنْعَكِسُ مِنْ مَسَحَاتِ جَمَالَكِ وَأُنُوْثَتَكِ وَفِتْنَتَكِ, وَيَتَهَالَلُ فِيْ وَمَضَاتٍ مِنْ هَالاَتِ أَطْيَافِ إِغْوَاءَاتَكِ وَإِغْرَاءَاتَكِ...

فِتْنَتُكِ الَّتِيْ أَوْرَثَتْكِ بَقَايَاهَا أُمَّكِ حَوَّاءْ الأُوْلَىْ, لِتَتَمَاهَيْنَ بِهَا نَجْمَةَ صُبْحٍ وَضَّاءَةٍ, تَتَلاَمَعُ فِيْ شَرْقِ أُفُقِ بِلاَدِيْ... تَرَجَّلَتْ عَلَىْ حِيْنِ وَمْضَةٍ نُوْرَانِيَّةٍ مِنْ عَلْيَاءِ أُفُقِهَا السَّمَاوِيِّ الفَجْرِيِّ, قَبْلَ شُرُوْقِ قُرْصِ الشَّمْسِ, وَهِيَّ تُبْدِعُ بِذَهَبِيَّةِ سَيَّالاَتِهَا, فَنًّا طَيْفِيًّا فِيْ شَكِيْرَةٍ أَثِيْرِيَّةٍ, هَالَةَ تَجْرِيْدٍ فَلْسَفِيٍّ, بِفَلْسَفَةٍ سُرْيَالِيَّةٍ... تَتَرَجَّلُ هِيَ أَيْضًا لَوْحَةُ الشَّفَقِ, وَتَهْبُطُ مِنْ شَرْقِيْ الأُفُقِ فَوْقَ القِمَمِ الشَّمَّاءِ فِيْ وَطَنِيْ, تَعْظِيْمًا لَكِ وَتَهْلِيْلاً, تَفْرُشَ الدَّرْبَ لَكِ سَجَاجِيْدَ مِنْ سِحْرٍ لَوْنِيٍّ بُرْتُقَالِيٍّ, لِتَغْنُجِيْن دَلاَلاً فِيْ مِشْيَتِكِ النَّاعِسَةِ فَوْقَ تُرَابِ الأَرْضِ...

لَمْ وَلَنْ وَلاَ أُدْرِكْ, يَا حَبِيْبَتِيْ, حَرَكَةَ الحُبِّ وَالعِشْقِ, تَتَفَاعَلُ بِإِسْتِدَامَةٍ مِنْ قَلْبِ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ, بِفِعْلِ عَقْلَنَةِ قَلْبِيْ وَقَلْبَنَةِ عَقْلِيْ, وَتَفْعِيْلِ وَعْيِيْ البَاطِنِيِّ وَعَرَفَانِيْ الذَّاتِيِّ... أَتَسَاءَلُ فِيْ أَبْعَادِ رُؤَايَ؟! لِمَاذَا بَدَا لِيْ كَوْكَبَ الشَّمْسِ هَذَا الصَّبَاحْ, كَوْكَبًا يِخْتَلِفُ عَنْ كُلِّ كَوْكَبَاتِ الشُّمُوْسِ, الَّتِيْ تُشْرِقُ مَعْ كُلِّ صَبَاحٍ, لِتُضِيْءَ بِنُوْرِهَا الأَرْضَ, بَعْدَ أَنْ تُشَكِّلَ لَوْحَةَ الشَّفَقِ عِنْدَ مُسْتَوَىْ الأُفُقِ؟!...

لِقَائِيْ القَدَرِيُّ بِكِ مَعْ هَذَا الصَّبَاحِ عِبْرَ الأَثِيْرِ, مَهَّدَ الدَّرْبَ إِلَىْ لِقَاءٍ سَمَا صُعُدًا مِنْ عَالَمِ الإِفْتِرَاضِ إِلَىْ عَالَمَ الرُّوْحِ... فَإِنْعَكَسَ سِحْرًا فَاتِنًا عَلَىْ لِقَائِيْ بِكِ فِيْ ضُحَىْ هَذَا اليَوْمِ, الوَاقِعِ فِيْ وَسَطِ التَّرْتِيْبِ القَدَرِيِّ فِيْ التَّوْقِيْتِ الأُسْبُوْعِيِّ... فَكَأَنَّ الشَّمْسَ تَرَجَّلَتْ مِنْ مَسَارِهَا فِيْ الضُّحَىْ, وَمْضَةَ لِقَائِنَا فِيْ تِلْكَ الزَّاوِيَةِ مِنْ سَاحَةِ مَدِيْنَةِ التَّارِيْخِ... وَرَاحَتْ الشَّمْسُ فِيْ تَكَوْكِبَهَا السَّاحِرَ, تَمْشِيْ إِفْتِخَارًا أَمَامَكِ فِيْ عُنْفُوَانٍ, تَحُوْطَكِ هِيَ بِدِفْءِ سَيَّالاَتِهَا الحَانِيَةِ, وَأَشْعُرُ بِذَلِكَ الدِّفْءِ فِيْ صَدْرِيْ, وَفِيْ أَنَامِلِ أَكُفِّيْ الَّتِيْ إِحْتَضَنَتْ أَنَامِلَ أَكُفَّكِ الحَانِيَةِ الدِّفْءِ...

مَشَيْنَا خَلْفَ الشَّمْسِ فِيْ مَسَارِهَا إِلَىْ حَيْثُ المُسَتَقَرُّ, قَلْبِيْ الطَّرُوْبِ فِيْ تَرَانِيْمِهِ, يُنَاجِيْ قَلْبُكِ الَّذِيْ يَعْزِفُ أَشْجَانَكِ السَالِفَةِ... وَنَحْنُ نَمْشِيْ الهُوَيْنَا, نَرُوْدُ دَرَجَاتَ الشَّوْقِ صُعُوْدًا إِلَىْ الأَعْلَىْ, يُحَاكِيْنَا البُعْدُ فِيْ الحُبِّ وَالعِشْقِ... فَإِذَا بِنَا عِنْدَ مَغَارَةِ الأَمَلِ المَأْمُوْلِ بِالرَّجَاءِ, حَيْثُ الحُلُمُ تَحَقَّقَ فِيْ الوَاقِعِ, وَإِذَا بِنَا نَهُمُّ الوُلُوْجَ فِيْ قَلْبِ صَوْمَعَةٍ تَمَّ إِخْتِيَارَهَا, لِنَبُثَّ لِبَعْضِنَا مَا يَعْتَلِجُ فِيْ أَرْوَاحِنَا مِنَ الشَّوْقِ وَالحَنِيْنِ, نُمَارِسُ الصَّمْتَ عِنْوَةً أَمَامَ بَوْحِ أَطْرَافِ العُيُوْنِ النُّجْلِ, تَتَسَارَقُ النَّظَرَاتَ مِنْ بَيْنِ أَنْسَامِ الشَّعْرِ الأَسْوَدِ, الَّذِيْ يَنْسَدِلُ عَلَىْ الوَجْهِ وَالأَكْتَافِ, يُحَاكِيْهِ القَمِيْصُ الأَسْوَدُ وَالسِّرْوَالُ...

لِقَاؤُنَا القَدَرِيُّ, تُتَرْجِمُهُ جَوَارِحَنَا فِيْ ذَرْوَةِ الإِشْتِيَاقِ, مَعْسُوْلَةَ اللَّمَىْ وَالشِّفَاهِ فِيْ طِيْبِ وَحَلاَوَةِ القُبَلِ, تَتَوَّزَّعُ عَلَىْ تَشَاغُفٍ بَيْنَ الشِّفَاهِ الكَرَزِيَّةِ, وَالوَجَنَاتِ الوَرْدِيَّةِ, وَالخُدُوْدِ الطَّافِحَةِ بِالإِشْرَاقِ, وَالعُنُقِ المَرْمَرِ, وَالصَّدْرِ الوَاسِعِ, لِتَسْتَقِرَّ فِيْ ثَمَلِهَا سَكْرَىْ بَيْنَ النََّهْدَيِنِ النَّاهِدَيْنِ, الكَاعِبَيْنِ فِيْ الصَّدْرِ الفَاتِنِ, النَّهْدَيْنِ المُشَكَّلَيْنِ وَشْمًا بِالوُرُوْدِ, تَتَشَذَّىْ بِالطِّيْبِ ضَوْعًا آخَرَ, لِتُنْعِشَ الحَلَمَةَ الثَّوْرِيَّةَ تَتَلَظَّىْ بِجَمَارِ القُبَلِ, فَتَقْطُرُ الحَلِيْبَ الدَّافِيْءَ لِلِّسَانِ يَنْتَشِيْ فِيْ رَشْفِ السُّلاَفِ بِالثَّمَلِ...

حِيْنَهَا أَدْرَكْتُ السِّرَّ فِيْ إِخْتِلاَفِ شُرُوْقِ الشَّمْسِ عَلَىْ غِيْرِ عَادَتِهَا لِهَذَا اليَوْمِ مِنْ أَيَّامِ التَّوْقِيْتِ, وَإِكْتَشَفْتُ ذَلِكَ التَّشَاغُفُ المُتَشَاوِقُ لَهَبًا فِيْ خَلَجَاتِهِ, وَلَمْ وَلَنْ وَلاَ أَنْسَىْ لِقَائِيِ القَدَرِيِّ بِحَبِيْبَتِيْ... كَأَنَّ الأَقْدَارَ شَاءَتْ مَا شَاءَتْ, وَكَانَ لَهَا مَا شَاءَتْ, مَيَاسِمَ تَتَبَرْعَمُ مِنْ بَتَلاَتِ الحُبِّ وَالعِشْقِ, تَتَأَلَّقُ عَلَىْ أَكْمَامِهَا بَعْضُ القَطَرَاتِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ, تُسْقَىْ بِسُلاَفٍ مِنَ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ, تَتَضَرَّعُ لِلْسَّمَاءِ تَبْرِيْكَ اللِّقَاءِ بِالرِّضَا وَالتَّقْوَىْ مِنْ لَدُنِ رَحَمَاتِ الله...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق