الاثنين، 19 مايو 2014


الأَسْوَدْ

 

بِقَلَمْ: حُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمْ

 

أَنَاهُ المُنْفَرِدَةُ, عِنْوَةَ سِيَادَةٍ وَاقِعِيَّةٍ عَلَىْ غَيْرِهِ مِنْ الأَلْوَانِ, أَنَاهُ السَّوْدَاءُ اللَوْنِ, تَتَرَبَّصُ الكُلَّ فِيْ إِمْتِدَادَاتِ الحُزَمِ اللَوْنِيَّةِ, تِلْكَ السُّبَاعِيَّةُ المُنْبَثِقَةُ تَرْشِيْحًا مَنْشُوْرِيًّا مِنَ الأَبْيَضِ اللَوْنِ... وُلِدَتْ مَعَهُ الأَنَا السَّوْدَاءُ, قَدِيْمًا فِيْ أَكْوَارِ الأَزَلِ, هَوِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ عِبْرَ حِقَبِ الأَطْوَارِ فِيْ شُرْعَةِ مَشْجَرِ النَّسَبِ اللَوْنِيِّ... سِمَتُهُ وَاحِدَةٌ عَلَىْ تَعَاقُبِ الأَدْوَارِ الزَّمَنِيَّةِ, مَزَايَا كُنْهُ السِّرِّ فِيْ كَوَامِنِ نَسَائِجِ كَيْنُوْنَتُهِ القَدَرِيَّةِ, عُنْفُوَانُهُ عِنَادُ تَرِسْيْمِ الكِبْرِيَاءِ فِيْ مَطَاوِيْ ذَاتِيَّتِهِ... يَتَعَاظَمُ الأَسْوَدُ عِنَادًا عَلَىْ عِنَادٍ مُنْذُ قَدَرِيَّةِ وُجُوْدِهِ, أُحَادِيٌّ التَّشْكِيْلِ مُذْ كَانَ فِيْ أَمَدِ الأَمَدِ, لاَ يَحْتَاجُ زَرْكَشَةَ الأَلْوَانِ المُتَمَاهِيَةِ فِيْ قَوْسِ السَّمَاءِ... يَتَمَاهَىْ لَوْنًا حَنْدَسً السَّوَادِ, يُفَاخِرُ عَلَىْ الأَلْوَانِ فِيْ دَجُوْجِيَّتِهِ, لاَ مِنَّةَ لِحُزَمِ هَالاَتِ سَيَّالاَتِ الطَّيْفِ عَلَيْهِ, حُرٌّ فِيْ خَصَائِصِ مُكَوِّنَاتِ عَنَاصِرِهِ, مُنْعَتِقٌ مِنْ كُلِّ القُيُوْدِ اللَوْنِيَّةِ الأُخْرَىْ, مُتَحَرِّرٌ مِنْ كُلِّ الإِرْتِبَاطَاتِ اللَوْنِيَّةِ التَّوَاصُلِيَّةِ... لَيْسَ إِمَّعَةً, يَعْدُوْ طِيْبَةً خَلْفَ الأَلْوَانِ, وَلَيْسَ بِتَابِعٍ, تَقُوْدُهُ الأَلْوَانُ حَيْثُ تَشَاءُ عَلَىْ ذِمَّةِ مِزَاجِيَّتِهَا, وَلَيْسَ بَوَلِيْدٍ تَقْلِيْدِيٍّ, أتَىْ قَدَرًا مِنْ رَحَمِ أَنْجَبَ كُلَّ الأَلْوَانِ... تَحْتَاجُهُ كُلُّ الأَلْوَانِ قَنَاعَةَ تَكَامُلٍ, وَلاَ يَحْتَاجُهَا الأَسْوَدُ فِيْ سِرِّ إِكْتِمَالِهِ, عُنْفُوَانِيُّ الكِبْرِيَاءِ, يَفْرُضُ شَخْصِيَّتُهُ بِكَامِلِ جَرْأَتِهِ فِيْ وَاقِعِ الحُضُوْرِِ... دَأْبُهُ الَّذِيْ لاَ يَتَرَاجَعُ عَنْهُ فِيْ حَرَكَةِ الفِعْلِ, يَمْتَصُّ جَمِيْعَ الأَلْوَانِ فِيْ حِلْكَةِ سَوَادِهِ, وَلاَ يَقْبَلُ الحِوَارَ فِيْ المُهَادَنَةِ, وَلاَ حُلُوْلَ وَسَطَ فِيْ فَلْسَفَتِهِ, لَمْ وَلَنْ وَلاَ يَتَنَازَلَ عَنْ لَوْنٍ وَلَجَ عَالَمِهِ, أَوْ يُعِيْدَ إِلَىْ أَصْلِهِ لُوْنًا, إِمْتَصَّهُ وَجَذَبَهُ إِلَيْهِ... تِلْكَ شُرْعَةٌ كَوْنِيَّةٌ سَمَاوِيَّةٌ شَاءَهَا الحَقُّ مُنْذُ البَدْءِ, نَسَجَتْهَا نَوَامِيْسُ الأَقْدَارِ نِظَامَ إِسْتِمْرَارٍ, تَتَجَلَّىْ عَظَمَتُهُ فِيْ عَظَمَةِ بَدَائِعِ صُنْعِ اللهِ فِيْ أَسْرَارِ الأَكْوَانِ...

الأَسْوَدُ لَوْنِ الظَّلاَمِ الدَّامِسِ, لَوْنُ اللَيْلِ بَعْدَ ضّوْءِ النَّهَارِ, يُرْخِيْ الأَسْوَدُ سُدُوْلَهُ عَلَىْ كُلِّ الأَشْيَاءِ وَالأَحْيَاءِ, يُوَشَّيْ كُلَّ مَا فِيْ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بِدَجُوْجِيَّتِهِ, وَيُدَثِّرُهَا بِحَنْدَسِ إِدْلِهْمَامِهِ, المُمْتَدِّ بَعْدَ غِيَابِ الشَّمْسِ, وَإِخْتِفَاءِ لَوْحَةِ الشَّفَقِ التَّجْرِيْدِيَّةِ السُّوْرْيَالِيَّةِ... إِذّْ ذَاكَ يِتَكَوْكَبُ القَمَرُ المُنِيْرُ وَضَّاءً, كَأَنَّهُ القِنْدِيْلُ مُعَلَّقًا فِيْ كَبِدِ السَّمَاءِ, يَبْعَثُ سَيَّالاَتِهِ الضَّوْئِيَّةِ الفِضِّيَّةِ, أَشِعَّةً تَتَلأْلأُ إِلَىْ مَنْ فِيْ الأَرْضِ, حَيْثُ كُلُّ الخَلاَئِقِ ذَاتَ الرُّوْحِ تَنْتَظِرُهُ, لِتَتَنَاجَىْ بِالحُبِّ وَالعِشْقِ, وَكُلُّ الأَشْيَاءِ تَتَهَجَّدُ خَاشِعَةً لله تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ مِنْ بَدْءِ اللَيْلِ حَتَّىْ الصَّبَاحِ... وَهَكَذَا فِيْ جَوْفِ اللَيْلِ المُتَّشِحِ بَسَوَادِ الظَّلاَمِ, تَتَلأْلأُ النُّجُوْمُ وَهَّاجَةً فِيْ هَالاَتِ أَطْيَافِهَا البَعِيْدَةِ, شَاكِراَتُهَا اللَوْنُ الأَصْفَرُ وَالبُرْتُقَالِيُّ وَالأَزْرَقُ وَالأَبْيَضُ, تَخْطَفُ أَبْصَارَنَا بِرَوْعَتِهَا وَجَمَالِهَا, وَنَتَفَكَّرُ بِالحِكْمَةِ فِيْ إِنْتِشَارِهَا عَلَىْ إِمْتِدَادَاتِ قُبَّةِ السَّمَاءِ, مُشَكِّلَةً إِفْتِرَاضِيَاتَ البُرُوْجِ وَالكَوْكَبَاتِ... وَفِيْ بُيُوْتِنَا وَغُرَفِنَا وَخَلَوَاتِنَا وَمُنَاسَبَاتِنَا وَأَفْرَاحِنَا, تُبْهِرُنَا الشُّمُوْعُ بَإِتِّقَادِ لَهَبِهَا الأَزْرَقِ وَالأَصْفَرِ وَالأَبْيَضِ, تَتَمَاهَىْ ضَوْءًا مُتَّقِدًا فِيْ خَيْمَةِ سَوَادِ الظَّلاَمِ, فَنَعِيْشُ لِسَاعَاتٍ مَعْدُوْدَةٍ, حَالَةً مِنَ الآمَالِ المُرْتَجَاةِ, تَتَرَاءَىْ لَنَا كَأَنَّهَا الأَحْلاَمُ الوَرْدَيَّةُ, المَأْمُوْلَةُ الرُّؤَىْ فِيْ البُعْدِ الوِجْدَانِيِّ... وَنَحْنُ نَرْتَعُ فِيْ قُرَانَا الجَبَليَّةِ, نَنْعُمُ بِالأَنْسَامِ العَلِيْلَةِ اللَطِيْفَةِ, تَتَهَابَبُ فِيْ تَمَوُّجَاتِهَا مَعْ سَكِيْنَةِ اللَيْلِ العَابِقِ بِالسَّوَادِ, سَيَظْهَرُ لَنَا جَمَالُ المُدُنِ بِأَضْوَائِهَا الرَّائِعَةِ, وَهَكَذَا مَنَارَةُ الشَّاطِيْءِ الوَامِضَةِ, وَمَرْفَأُ القِنْدِيْلِ الأَزْرَقِ بِأَضْوَائِهِ المُشْرِقَةِ, وَالسُّفُنُ وَالمَرَاكِبُ وَالأََشْرِعَةُ بِأَنْوَارِهَا, تَتَهَادَىْ عَلَىْ صَهَوَاتِ الأَمْوَاجِ فِيْ إِمْتِدَادَاتِ البِحَارِ...

للهِ دَرُّ اللَوْنِ الأَسْوَدِ مَا أَجْمَلَهُ رُغْمَ إِقْتِتَامِهِ؟ فَلَوْلاَهُ كَيْفَ كَانَ سَيَظْهَرُ جَمَالُ القَمَرِ؟ وَكَيْفَ سَنَرَىْ النُّجُوْمَ تَتَلأْلأُ؟ وَكَيْفَ الشُّمُوْعُ سَتُبْهِرُنَا؟ وَكَيْفَ سَيَتَمَاهَىْ فِيْ اللَيْلِ جَمَالُ المُدُنِ بِأَضْوَائِهَا؟ وَكَيْفَ سَتَأْخُذُنَا أَنْوَارُ المَرَاكِبِ فِيْ عَرْضِ البَحْرِ؟ للهِ دَرُّكَ يَا اللَوْنُ الأَسْوَدُ يَا مَلِكَ الأَلْوَانِ بِلاَ مُنَازِعِ... فَالأَلْوَانُ كَثِيْرَةٌ, مُتَنَوِّعَةٌ, مُخْتَلِفَةٌ بِرَوْنَقِهَا وَجَاذِبِيَّتِهَا, وَاللَوْنُ مَهْمَا بَهُتَ, بِلَمْسَةٍ سَوْدَاءَ يَتَأَلَّقُ جَمَالاً وَإِفْتِتَانًا, بِإِضَافَةٍ سِحْرِيَّةٍ سَوْدَاءَ, سَيُبْهِرُ الأَسْوَدُ الأَنْظَارَ بِرَوْعَتِهِ... الأَسْوَدُ هُوَ اللاَلَوْنَ, يَمْتَصُّ الضَّوْءَ, وَكُلَّ الأَلْوَانِ, وَيُخْفِيْ كُلَّ الأَشْيَاءَ, وَيُظَلِّلُ كُلَّ المَعَالِمِ, فَتَغْدُوَ سَوْدَاءَ بِالسَّوَادِ...

الأَسْوَدُ لَوْنُ تَعْبِيْرِيٌّ رَمْزِيٌّ, دَلاَلَةً عَلَىْ الوِقَارِ, وَتَجْسِيْدٌ لِلْتَّمَسُّكِ بِالتَّقَالِيْدِ السَّامِيَةِ, وَسِمَةُ الغُمُوْضِ لِلْكِبَارِ, وَهَوِيَّةُ لإِحْتِرَامِ الخُصُوْصِيَّاتِ... كَانَ قَدِيْمًا رَمْزُ الحَيَاةِ الخَالِدَةِ, وَرَمْزُ الرَّفْضِ وَالثَّوْرِةِ عَلَىْ الظُّلْمِ وَالإِنْحِرَافِ, وَلَيْسَ رَمْزُ المَوْتِ وَالحِدَادِ وَالحُزْنِ... وَالأَسْوَدُ يَتَرَبَّعُ دَائِمًا عَلَىْ عَرْشِ الأَلْوَانِ, فَكَمَا يَدُلُّ عَلَىْ الحُزْنِ, كَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَىْ الأَنَاقَةِ وَالوِقَارِ... وَالأَسْوَدُ هُوَ لَوْنُ القُوَّةِ وَالثِّقَةُ بِالنَّفْسِ... وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَوْنًا حَقِيْقِيًّا مِنْ أَلْوَانِ الطَّيْفِ, إِلاَّ أَنَّهُ سَيِّدُ الأَلْوَانِ وَشَيْخُهَا, يَشْتَدُّ سَوَادًا إِنْ قَابَلَهُ اللَوْنُ الأَبْيَضُ...

الأَسْوَدُ رَمْزُ التَّمَرُّدِ, وَالغُمُوْضِ, وَالجَاذِبِيَّةِ, لَوْنٌ عَمِيْقٌ وَمُخِيْفٌ, يَرْمُزُ إِلَىْ التَّحَدِّيْ وَالإِقْدَامِ وَالأَسَفِ, وَالأَسْوَدُ حِيَادِيٌّ, لاَ تَعْنِيْهِ الأَلْوَانُ الطَّيْفِيَّةِ, وَالبَحْثُ عَنِ الأَسْوَدِ, يَرْتَبِطُ بِالبَحْثِ عَنِ الأَبْيَضِ, لَوْنَانِ مُتَعَارِضَانِ... الأَسْوَدُ لَوْنُ الإِكْتِئَابِ وَالإِغْرَاءِ فِيْ آنٍ, وَيَدُلُّ عَلَىْ إِحْتِرامِ النَّفْسِ وَالإِعْتِزَازِ وَالعُنْفُوَانِ وَالكِبْرِيَاءِ... وَمُحِبُّوْ اللَوْنِ الأَسْوَدِ, ذَوُوْا إِرَادَةٍ قَوِيَّةٍ, وَيَعْرِفُوْنَ كَيْفِيَّةِ فَهْمِ الآخَرِيْنَ وَإِحْتِرَامَهُمْ... فَالأَسْوَدُ مَلِكُ الجَمَالِ وَالكَمَالِ وَالشَّخْصِيَّةِ المُمَيَّزَةِ, وَهُوَ وَمَضَاتٌ مِنْ مَسْحَاتِ الجَمَالِ وَالحُسْنِ, لِلْمَرْأَةِ الجَمِيْلَةِ الفَاتِنَةِ السَّاحِرَةِ, ذَاتَ العُيُوْنِ السَّوْدَاءَ وَالشَّعْرِ الأَسْوَدِ, مُلْهِمَةَ الأُدَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَالفَنَّانِيْنَ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق